الشعوب تتعلم الحكمة من التجارب التي تمر بها، وبما تدركه من دروس تعمل على تجنب تكرار ما حصل لها وترمم سلوكها، وتعيد ترتيب آليات تفكريها وتصوراتها ومواضع خطواتها، وهذه الشعوب هي التي تتفوق وتتألق في ميادين الحياة وتمضي نحو آفاق الاقتدار والعلاء. شعوب ثرواتها في عقول أبنائها وحسب، وبهذه العقول تشق طريقها في الدنيا ولا تعول على عذر أو لوم، وإنما تؤمن بنفسها وبقدرة العقل على ابتكار ما تريده وتحتاجه، وبالعقل العلمي الرصين تنال مبتغاها وتحقق أهدافها القريبة والبعيدة.
إنها الحكمة السلوكية التفاعلية التي تخبرها شعوب الدنيا المتفوقة على غيرها من الشعوب، والفرق الجوهري بينها وبين الشعوب المتأخرة عنها، أنها شعوب تؤمن بالعقل العلمي وبمقدرته على إنجاز طموحاتها وتطلعات أجيالها المتفاعلة في انطلاقة البنيان المرصوص.
ومن هذه الشعوب، الشعب السنغافوري والكوري والفيتنامي والصيني والهندي والأندونيسي والماليزي، وشعوب أخرى تعلمت السلوك الحكيم والتواصل السليم مع ذاتها وموضوعها، واستثمرت في مواطنيها وأطلقت ما فيهم من الطموحات، ووظفتها بأساليب اقتصادية ذات إنتاجية متميزة وربحية عالية. وهذه الشعوب بلا ثروات ومصادر للطاقة، وإنما تستوردها من الشعوب التي تبخس ثرواتها وتجهل مهارات الاستثمار، ولا تؤمن بقيمة العقل ودور الإنسان الحضاري.
والأمثلة الواضحة على الشعوب السقيمة التي لا تعرف أبسط مبادئ ومهارات السلوك الحكيم هي المجتمعات العربية، التي فيها كل أنواع الثروات ومصادر الطاقة وكنز القدرات والعقول المتأهبة للعطاء الأصيل، لكنها تسحقها وتدمرها وتتمتع بالفساد والظلم والقهر ويسود فيها الجور والتبعية والاتكالية، وتعلم أبناءها كيف يحققون مصالح الطامعين بأوطانهم، والتحول إلى ألد أعداء لشعوبهم، فلا يعنيهم من الأمر إلا لذائذهم الآنية وحسب.
وبالمقارنة ما بين الحالتين، يتبين أن الشعوب الحكيمة لم يستغرق نهوضها سوى عقد وبضعة سنوات، أما المجتمعات السقيمة فإنها تئن من معضلاتها المزمنة وعاهاتها السلوكية المتفاقمة، ولهذا فإنها تتدحرج إلى الوراء والدنيا في تسابق متسارع نحو الأمام.
فهل ستتعلم هذه الشعوب بعضا من الحكمة حتى تكون؟!!
واقرأ أيضاً:
الفتاوى وما أدراك ما هي؟!! / كأنّ الرؤوسَ حاوياتُ نفايات!! / خيارك يقرر مصيرك!! / العروبة ياعرب!! / الأكرشة!!