هي القدرة على التحاور أو امتلاك مهارات وأدوات وخبرات الحوار المقتدر الذي يوصل إلى تحقيق الأهداف والطموحات، والتحاورية تتناسب طرديا مع السعادة والأمان، بمعنى كلما تمكنت الأطراف من إجادة فنون وأساليب الحوار كلما تحقق الفوز أو النجاح لهما معا، وكلما ضعفت أو غابت قدرات الحوار فإن الخسران سيصيب الطرفين أو الأطراف المتفاعلة. والواقع العربي يشير بوضوح إلى فقدانه لأبسط مهارات وآليات الحوار، بل أن الحوار يُعتبر عيبا وسبة ولا بد من التحدي والتناحر والاقتتال، ففي ذلك رجولة وقوة وبطولة وغيرها من الأوهام والهذيانات الفتاكة التي تدفع بالناس إلى سفك الدماء.
وما أصاب العرب على مدى القرن العشرين ولا يزال بسبب هذا الفقدان المروع للحوارية، فتجدهم لا يعرفون سوى التعادي والعدوان، ولو أخذنا حالة في أيٍّ من دول العرب لوجدنا الحوارية غائبة تماما وغير معهودة، فأبناء الوطن الواحد لا يعرفون التحاور ولا يجيدون التفاهم، وإنما تكون القوة هي الآلة والأداة اللازمة لتمرير ما يراه هذا الطرف أو ذاك، والأمر واضح في التفاعلات السياسية وما ارتكبته الأنظمة في جميع الدول العربية. فالعرب يتناحرون ويتقاتلون ويتذابحون للتعبير عن الرجولة والفحولة والقوة الواهية العصماء، وقد خسروا قضاياهم لعدم إجادتهم لفنون الحوار، ولجهلهم بسياسات النفس الطويل والصبر الواعي الأمين، فهم يتميزون بالاندفاعية الصاخبة الصارخة، وبغياب الحلم والحصافة التقديرية والعقلية اللازمة للوصول إلى الإنجاز الصحيح.
فقد أضاعوا قضية فلسطين نتيجة لذلك، فالسادات خصم الموضوع في كامب ديفد ببضعة أيام، والعراق لا يمتلك أبسط مهارات التحاور، ولهذا تم إسقاطه في أوحال الحروب الخليجية المتكررة، وما اعتبر وتعلّم كيف يمكنه الوصول إلى حل بالحوار. فالعرب يحسبون الحوار ضعفا، ويستسلمون ويرضخون بسرعة لإرادة الآخرين، الذين يسعون للضغط على عواطفهم وانفعالاتهم فيحصدون الاستجابات المطلوبة لتنفيذ ما يريدونه. واليوم تجدهم في صراعات تدميرية فائقة بسبب انعدام قدرات الحوار الإيجابي البناء، وهذا ما تسبب بما يدور في اليمن وسوريا وليبيا والعراق وغيرها، وربما بسبب الانفعالية العالية وهيمنتها على العقل أو أسره واستعباده، مما أدى لتقاتل الأحزاب وتدميرها للوطن الذي من المفروض أن تعمل من أجله وترقى به، لكنها تتدمر وتدمره.
ومن هنا فإن السؤال الذي يفرض نفسه للخروج من ورطة الانقراض الحضاري، كيف يتعلم العرب أساليب الحوار المعاصرة؟!!
وعلينا جميعا أن نبحث عن الجواب الكفيل بإنقاذ الواقع العربي من محنة الضياع والتأندلس الفتاك، الذي سيمحق الوجود العربي مثلما محقه في بلاد الأندلس.
ولابد للباحثين والدارسين والمهتمين أن يفكروا مليا وجديا بما يساهم بوضع الأسس المعاصرة لتربية حوارية، وثقافة حوار إنساني يعتمد العقل الذي يمتلك قدرات ابتكار الحلول، وينأى عن العواطف القاضية بسفك الدماء والهلاك المبين.
ترى هل سيتمكن العرب من إعلاء قيمة البشر، وتعلم احترام حقوقه وتطلعاته والتحاور معه على أنه إنسان؟!!
إنها في جوهرها محنة قيمة إنسان!!
وما تعلمنا مهارات وجادلهم بالتي هي أحسن!!
واقرأ أيضاً:
الديمقراطية والديماغوجية!! / تسييس العواطف والانفعالات!! / طواحين الذات المنكوبة!! / الاعتقاد والاستدلال!!