لماذا يعشق الناس الكرة، ويعشقون محمد صلاح ؟2
لماذا يعشق الناس محمد صلاح ؟ ...
• عبقرية انتمائه، فهو دائم التردد على قريته خاصة في رمضان مع عطاءات مادية ومعنوية كثيرة لأهل قريته فأعطى تبرعات لمدرسته القديمة، وهدايا لأطفال القرية، وساعد في شراء مستلزمات الزواج لعدد من الشباب الفقراء، وهو يفعل ذلك في صمت، ولم يرد منه وجاهة أو مدح أو شهرة فهو في غنى عن كل ذلك، وإنما فعله لبذرة خير في داخله ولشعوره الدائم بالانتماء لهذا المجتمع القروي البسيط والصغير.
• عبقريته في البعد عن الصراعات المستنزفة للطاقة، فلم نره يدخل في حوارات أو منازعات أو خلافات أو استقطابات مجهدة مع أحد، فهو يضن بوقته وجهده على أي شيء من ذلك، إذ لا يوجد لديه وقت يضيعه في أي شيء من ذلك، وبالتالي حافظ على كل وحدة طاقة وعلى كل وحدة زمن ليندفع كل يوم إلى تحقيق تميز جديد والارتقاء إلى مستويات أعلى وغير متوقعة في الأداء.
• عبقريته في البعد عن الاستقطابات السياسية أو الدينية، إذ تعلم صلاح الدرس من نجوم سابقين فنأى بنفسه عن أي تصريحات أو سلوكيات تجعله محسوبا على تيار سياسي أو ديني معين فظل محبوبا ومقبولا ومعشوقا من الجميع كبارا وصغارا.
• عبقرية الحفاظ على صحته، فمن المعروف عنه أنه يهتم بكل تفاصيل حالته الصحية فلا يسهر ولا يدخن ولا يتعاطى أي شيء يؤثر في سلامته النفسية والجسدية، ولا يقضي أوقاتا مع شلة تأخذه يمينا أو يسارا، وليست لديه علاقات جانبية تستنزف طاقته النفسية أو الجسدية أو تشتت وعيه وانتباهه وتركيزه، فتراه دائما في صحة جيدة وفي حالة تركيز وانتباه ويقظة، وهذا ينعكس في سرعته الفائقة في الملعب وانتباهه الحاد لكل حركة تحدث من حوله وسرعة إدراكه وتصرفه في المواقف الحرجة، وانتهاز الفرص للتسديد الموجه بدقة.
• عبقرية عصاميته، فهو قد شق طريقه بمجهوده الشخصي تماما، ولم يستفد من أي توصية أو أي وساطة أو أي مساعدة من هذا أو ذاك، بل شق طريقه محليا وعالميا بموهبته المتفردة ومجهوده الفائق والمتدفق، وهو كأي عصامي هاجسه الصعود الدائم والمستمر، فهو لا يتوقف عند مستوى معين من النجاح ويكتفي بذلك ويستريح ويجني ثمرة نجاحه في رفاهية العيش والتمتع بحب المعجبين والمعجبات، ونيل حظ نفسه من متع الدنيا، خاصة وأن شهرته ونجوميته أعطته مالا وفيرا وحبا جارفا وانبهارا يأخذ بالألباب ويهز النفوس ويزلزل ثباتها ويخل بتوازنها، ولكنه لم يفعل ذلك، وربما لم يلتفت إليه فكأنه جاء إلى الحياة بشكل أسطوري ليؤدي مهمة عظيمة، وعيناه مركزة عل هذه المهمة ولا يكاد يرى ما حوله من مغريات، وكأنه زاهد في كل شيء إلا نجاحه وتميزه، وكأنه ناسك في محراب الكرة، ومنصرف عن كل التعلقات والشواغل والمغريات، ومتبتل في مهنته التي هي – لحسن الحظ – هوايته ومعشوقته.
• عبقرية أيقونته ورمزيته، فمحمد صلاح لم يعد مجرد لاعب كرة يهتم به من يعشقون كرة القدم أو يتابعونها ، بل تجاوز هذا بكثير، بحيث أصبح أيقونة نجاح عظيمة ومبهرة ورمزا لكل ما هو جميل في حياة أي شاب مصري عربي مسلم، وأصبح يجسد كل قيم الكفاح والصمود والنقاء والكبرياء والتواضع والشموخ والعزيمة والإصرار والحب والطموح بلا حدود وكسر كل الحواجز والانطلاق بسرعة صاروخية نحو النجاح النظيف الخالي من أي شوائب، وأصبح رمزا للاستقامة والنظام والنظافة والانضباط والالتزام والوطنية والعالمية والإنسانية، فأصبح قدوة لأي شاب ليس فقط في بلده مصر بل في أي بلد في العالم. ولهذا ليس غريبا أن توضع له أغان تمجد فيه في أكثر من بلد أوروبي وبأكثر من لغة يغنيها الكبار والأطفال.
• عبقرية تواضعه، فعلى الرغم من كاريزمته الهائلة ونجاحه منقطع النظير، وتقدمه في مجاله بشكل سريع جدا رغم صغر سنه، وانتقاله من مجاله القروي البسيط إلى آفاق عالمية عالية المستوى، وحصوله على المال الوفير والشهرة الفائقة والنجاح المتصاعد، إلا أنه لم يفقد قدرته على الثبات والاتزان، ولم يفقد بساطته وتواضعه، ولم تنتفخ ذاته أو تتضخم، ولم يسقط في بحر الغرور أو التعالي، وهذا ينم عن تماسك نفسي عميق وثبات انفعالي هائل، وتوازن أخلاقي راسخ، وهذا شيء مذهل في شخصيته، إذ على الرغم من حركته الواسعة والمتدفقة والسريعة نحو النجاح المتصاعد، إلا أن لديه حالة هدوء وطمأنينة وسلام نفسي وتواضع يوازنان حركته وانطلاقته الصاروخية، وربما يساعد في ذلك ما يتحلى به من قيم دينية، وقيم أخلاقية، وفطرة ريفية بسيطة ومستقرة، وأسرة متماسكة ومساندة وداعمة، ومتواجدة معه حتى في أوروبا.
• عبقريته كبطل قومي، فقد جاء نجاح محمد صلاح في ظروف قاسية مرت بها مصر والعالم العربي، انهارت فيها أخلاق الناس وتساقطت الرموز والقيادات، وسادت حالة من اليأس والإحباط والألم بسبب التقلبات والاستقطابات السياسية والأزمات الاقتصادية والمؤامرات العالمية، فكان محمد صلاح سببا أساسيا للشعور بالبهجة والشعور بالانتصار والشعور بالكرامة، والأمل في النجاح مهما كانت التحديات والعقبات والأزمات، وأصبح محمد صلاح نبراسا لأي طفل أو مراهق أو شاب، وأعاد الثقة إلى قيم العمل والصبر والمثابرة والصمود والكفاح وتحديد الهدف والارتقاء المستمر نحو المعالي، فانتشل الملايين من هوة اليأس والقنوط، لذلك تحول من مجرد لاعب كرة ناجح ومتفرد إلى بطل قومي وإلى رمز لكل ما هو ناجح وإيجابي وجميل وراق وأخلاقي، خاصة حين صعد بالمنتخب المصري إلى كأس العالم بعد مضي ثلاث عقود ومصر بعيدة عن هذا المستوى.
وتنتشر صور محمد صلاح في طول مصر وعرضها، وأي شركة أو مؤسسة تريد جذب الأنظار لمنتجاتها أو نشاطها تضع صورة محمد صلاح، وقد جعل هذا صلاح وجها مألوفا ومحبوبا للجميع، ورمزا للمصريين يتفقون عليه رغم اختلاف توجهاتهم، ورغم ما بينهم من تباينات خاصة بعد الثورة والفترة الانتقالية والنزاعات السياسية، فقد نجح محمد صلاح في توحيد قلوب المصريين على ابن عبقري من صلبهم ومن بيئتهم ومن عمق جوهرهم الحضاري. وهو ليس فقط بطلا محليا بل بطل عالمي ترى صوره في أي بلد تذهب إليه على الكثير من الإعلانات والنشاطات الكروية وغير الكروية، ويؤلفون له الأغاني التي تعبر عن حب جارف. وبهذا كان لمحمد صلاح دور هائل في تحسين صورة المصري والعربي والمسلم في وعي المواطن الأوروبي.
ولم تكن رحلة صلاح كلها وردية وناجحة، وإنما عاش محطات إحباط قاسية، أولها حين رفضت إدارة نادي الزمالك شراءه من نادي المقاولون زهدا فيه وتقليلا من قيمته مقارنة بالمبلغ الذي كان مطلوبا فيه، ووقتها تحطم حلمه في الالتحاق بأحد فريقي القمة الكروية في مصر، وعانى أيضا إحباطا حين التحق بنادي شيلسي في إنجلترا، وكان يشارك في عدد قليل من المباريات ويقضي أغلب وقته على دكة الاحتياطي، ولكنه كان يحشد في داخله طاقة تحدي من هذه المحطات السلبية المحبطة ليبث هذه الطاقة جهدا إيجابيا في أول محطة تسمح بتفجر طاقاته الهائلة.
ولغة الجسد عند محمد صلاح تعكس الكثير عن شخصيته وعبقريته ففي أكثر صوره تراه مرفوع الرأس متطلعا إلى الأمام وإلى أعلى، أو تراه وكأنه يطير، أو تراه فاتحا ذراعيه للنجاح ومبتسما في رضى، وقد كان المشهد القصير في مباراة الكونغو 8 أكتوبر 2017 م مجسدا لما هو أكثر من ذلك، فقد عايش محمد صلاح الحدث بكل مراحله وتنوعت مشاعره وتعبيراته بشكل طبيعي جدا ومذهل جدا، فمن المعروف أننا أمام أي حدث صدمي نمر بعدد من الحالات النفسية أولها الصدمة، وثانيها الإنكار وثالثها الغضب ورابعها الحزن وخامسها التعافي والعودة إلى الحياة الطبيعية أو الاستمرار في حالة الحزن والانكسار، أما ما حدث لصلاح فكان أكثر ثراءا من ذلك وتداخلت بعض المراحل في بعضها البعض وتواصلت تلك المشاعر مع مشاعر وتعبيرات ملايين المشاهدين والمعجبين فكأنه كان مايسترو يعزف سيمفونية وجدانية مع ملايين البشر، فقد شعر بالصدمة وظهر على وجهه الذهول حين سجل فريق الكونغو هدف التعادل في الدقائق الأخيرة للمباراة والذي يعني عدم تأهل مصر لكأس العالم، وراح يضرب وجهه بيديه في حسرة وألم، وراح ينظر وكأنه لا يصدق أن ما حدث قد حدث، ثم يسيطر عليه حزن شديد يستجيب له بإلقاء جسده في حركة انبطاح على الأرض ويدفن رأسه بين يديه وكأنه لا يحتمل رؤية المشهد، وهنا يتداخل الحزن مع الإنكار، ثم يحاول رفع رأسه للحظة قصيرة ولكنها تسقط منه على الأرض مرة أخرى في تعبير يائس حزين، إذ لم يتبق على نهاية المباراة غير ثلاث دقائق، ولكنه مع ذلك لم يستسلم فبدأ بتحريك ذراعيه ورجليه ليقوم من وضع الانبطاح في محاولة لقبول الأمر الواقع والتعامل معه، وحين يقف منتصبا يعاوده شعور بالحزن والأسى والندم فيضرب بيديه على رجليه، ويشعر هنا بقلة الحيلة فيدفع بذراعيه إلى الخلف محاولا شد أزره، ثم يشبك يديه خلف رأسه وتعلو وجهه علامات الحزن الممزوجة بالحسرة والغضب، ويتحول الغضب إلى صرخة بأعلى صوته، وفجأة تتغير الصورة فتظهر في عينيه نظرات التحدي والإصرار ممزوجة بألم وحزن وغضب، وفي ثوان قليلة تظهر على وجهه علامات الأمل فيرفع يديه وذراعيه ويرفرف بهما لأعلى وكأنه يستحث نفسه وزملاءه والجمهور لمواصلة الجهد ومواصلة التشجيع، ويستجيب الجميع لهذا النداء العبقري النادر، ويدب الحماس في أوصاله فيصفق وكأنه منتصر، وهذا حدس عجيب ، فكأنما يقرأ ما سيحدث فعلا بعد دقيقتين حيث يسجل هدف الفوز في الدقيقة الأخيرة للمباراة ويصعد الفريق المصري لكأس العالم، ويرفع محمد صلاح إصبعي يديه السبابة إلى أعلى متطلعا نحو السماء حامدا شاكرا. هل يتصور أحد أن هذا السيناريو يحدث وتلك المراحل الوجدانية تتحقق وتتابع وتتداخل في دقيقة واحدة، وكأن هذا المشهد يعكس في تكثيف شديد سيناريو حياة هذا البطل الاستثنائي من حيث الثراء والتنوع والسرعة والتحولات المتجهة نحو الانتصار في أحلك الظروف وضد قوانين المنطق والواقع المحبط. حقا هذا المشهد الفريد الذي تناقلته كل المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي يلخص جوانب عبقرية وشخصية محمد صلاح أيقونة النجاح والطموح والتميز والانتصار ليس فقط في المجال الكروي بل في المجال الحياتي والإنساني.
واقرأ أيضًا:
العشرة أم الحب / على باب الله: كلام في الحب مشاركة / ما هو المستحيل في الحب المستحيل? / الحب بعد الخمسين ... قفزة في فراغ الزمن المتبقي