أية قوة سياسية مهما كان نوعها وتوجهها واسمها، ما أن تأتي إلى الحكم حتى تقع فريسة لعدم وعيها وفهمها لمعنى القوة ودورها في بناء المجتمع، ولجهلها خبرات ومهارات توظيفها لتحقيق السعادة لها ولمجتمعها، فتعيش في مأزق حتى تتهاوى وتنتهي. والوصول إلى الحكم يعني الجلوس على كرسي يرمز لمنصب، وله دور وتأثير في الواقع من حوله.
وفي مسيرة الدول المتأخرة، تتكرر مأساة صناعة الكراسي وإغفال صناعة دولة النظام والقانون، وتمضي السنوات وجميع الأطراف مشغولة بجد واجتهاد وقصر نظر، ونفقية رؤية وتبعية وتخبط في بناء دولة الكراسي، أي أن الكرسي هو الدولة والهدف والغاية والوسيلة معا، ولا شيء سواه يمكنه أن يفي برغبات الجالس عليه من أية جهة كانت. ويتم فيها تسخير الديمقراطية لتحقيق دولة الكرسي، ولهذا فإن الانتخابات تتميز بآليات لا ديمقراطية، وإنما بآليات كراسي، وهذا يعني الخداع والتضليل وسرقة الأصوات لتحقيق رغبات الكراسي التي لا تهمها إلا مصالحها وتسعى لتأكيدها.
إن الخروج من دولة الكراسي وما تجلبه من ويلات وتفاعلات سلبية وخسائر مادية ونفسية ومعنوية، وما تسهم فيه من خراب وتداعيات، لابد أن يعتمد على آليات ذات قيمة وطنية وإنسانية، بعيدا عن كل منطق ضيق ورؤية منحرفة نابعة من الكرسي. وآليات دولة الكراسي تختلف عن آليات دولة النظام والقانون ، التي تعتمد على المواطنة الصالحة وإعلاء قيمة ودور المواطن، وتحقيق الموازنة ما بين الحقوق والواجبات، والنظر إلى الجميع بعين واحدة وبمنظار المساواة والحق والعدالة.
فالمواطنون متساوون في الحقوق والواجبات ، ويجب أن يكون هناك دستور ديمقراطي إنساني وطني ، يضمن القيمة والكرامة ويساهم في التقدم والقوة والسعادة لأبناء الوطن. ودولة النظام والقانون ليست شعارات وإدعاءات وكلام في الصحف وأجهزة الإعلام، بل تحتاج إلى طرح واضح دقيق وإقران صادق ما بين القول والفعل.
إن ما يجري اليوم هو ترسيخ لدولة الكرسي، وطمس لدولة الشعب والديمقراطية والحرية والنظام. فدولة القانون لا تتبع إلا للوطن ومصلحته وحقوق أبنائه وأمنهم وكرامتهم، وتوفير أسباب الراحة والحياة الكريمة المعاصرة لهم، وهذه مسؤوليتها الأساسية.
إن الانتقال من دولة الكرسي إلى دولة القانون، يحتاج إلى قائد تأريخي نزيه جريء شجاع، مؤمن بوطنه وشعبه، ومترفع عن كل نظرة منحرفة وموبوءة بالآفات السلوكية، ويكون نقيا طاهرا إنسانيا نبيلا عادلا، لا يلين أمام قبضة الكرسي، فهو أعلى شأنا منه وأعظم، ولا يسقط ضحية بيد حاشيته ومستشاريه الطماعين، ويلتزم صوت شعبه ويجاهد في سبيل إزالة الفقر والجهل والمرض، ويسعى لتحقيق برامج الرعاية الاجتماعية التي تكفل السكن اللائق والملبس والمشرب والطعام، ويكون للناس المعوزين أبا يجمعهم ويرأف بهم ويساعدهم على قضاء حاجاتهم. فالمواطن أعز ما يملكه هذا القائد.
فهل سيجود الزمان على الوطن بقائد يعشقه ويحب أبناءه، وينذر حياته في سبيل سعادتهم ورفاهيتهم، وإزالة كل أسباب الضيم والقهر عنهم. سؤال يصدح في أرض العباد فهل من جواب، لكي تتحقق دولة الوطن القوي المعاصر وتنهزم دولة الكرسي المكابر؟! و"إن القوة لا تتأتى إلا عن طريق الحق الذي يحميه القانون"
وختاما، فدولة الكراسي بلا أولويات، لأن الكرسي فيها يلغي جميع الأولويات، ودولة النظام والقانون ذات أولويات وطنية واضحة وفقا لحاجات المجتمع والوطن. ويبدو أن المسافة ما بين (الدولة) و(الكرسي) لا زالت بعيدة، فصيغة الانتخابات عليها أن تعبر عن إرادة الدولة والوطن لا غير.
ولكي تُبني دولة النظام والقانون يجب أن يكون السلوك السياسي على جميع المستويات منسجما معها، ومؤمنا بها ويسعى لتحقيقها بصدق وإخلاص راسخ!!
فهل انتقلنا من الظلم والفساد إلى الأمن والنزاهة والعدل والمحبة والنظام أم دخلنا أتون الظلام؟!!
واقرأ أيضاً:
الانفتاحية!! / إرادة الحرب وإرادة السلام!! / الانقطاعية!! / الانحرافية!! / انتحابات!! / دولة الكراسي؟!