عندما تسأل بعض المفكرين العرب عن سبب عدم قدرة العرب على المواكبة والمعاصرة والتطور، يكون جوابهم الفوري، بسبب الأنظمة المستبدة والحكم الفردي، وأن الديمقراطية هي الحل والجواب القاطع. يتكلمون بهذا الأسلوب وكأن الدنيا تعيش في غمرة الديمقراطية منذ الأزل، وأن الأنظمة الفردية والمستبدة حالات طارئة على البشر. ولو تفحصنا الديمقراطيات الحقيقية لوجدناها ذات عمر قصير، وتسمية الدول بالديمقراطية لا يعني أنها تتمثل الديمقراطية بحذافيرها، ففي العديد من الدول الديمقراطية وحتى يومنا الحالي هناك ما هو غير ديمقراطي. والديمقراطية محكومة بقوانين صارمة وقوة هائلة وقدرات أمنية وعقابية لا ترحم، فهي بحاجة إلى قوة عسكرية واقتصادية وقانونية وعلمية ومعرفية وأخلاقية وسلوكية متطورة. والدول الديمقراطية العتيدة لا تزال تعاني من موجات عاصفة تنهض بين فترة وأخرى تتميز بالعدوان على الديمقراطية مناهضتها، وحركاتها وأحزابها معروفة في الدول الأوربية ولا تزال.
ولتفنيد طرحهم، أن دولا محكومة بأفراد وأنظمة مستبدة قد تقدمت وتطورت وهيمنت على الاقتصاد والقوة في العالم، والمثال الصين وغيرها من الدول التي نهضت بعد الحرب العالمية الثانية وتألقت وتأكدت إرادتها وهي محكومة بعوائل وأفراد، ويتأكد فيها الاستبداد. فالعلاقة ما بين الاستبداد والديمقراطية والتقدم مشكوك بقوة صحته وقدرته على تقديم الدليل الوافي، ولابد من تغيير وجهة الاقتراب والنظر بواقعية وعلمية ومنهجية، لكي نصل إلى جواب مفيد وعملي إيجابي المردودات.
إن المشكلة الجوهرية في الواقع العربي تتصل بغياب القيادات الوطنية العارفة المستوعبة لطاقات أوطانها وقدرات شعوبها، وعدم اعتمادها المنهج العلمي في اتخاذ القرارات، وإهمالها لمراكز البحوث والتحليلات للوصول إلى جوهر المشاكل والحلول. فالرئيس الصيني ماو كان مستبدا لكنه يعتمد على البحث العلمي والدراسات للوصول إلى قراراته، ويتحقق تقييم كل قرار وما ينجم عنه وكيف يمكن امتلاك مهارات اتخاذ القرار الأصوب. أي أن الاستبداد قد يكون نافعا وصالحا للمجتمع عندما يستند على الدراية المعرفية الوافية، التي تعتمد أساليب البحث العلمي المعاصرة.
ومن المعروف أن لكل ممثل في برلمانات الدنيا الديمقراطية دائرة بحثية استشارية تقدم له الدراسات والخلاصات والبحوث والاستنتاجات المتصلة بأية قضية أو حالة أو مشكلة، ولهذا تجد الطرح والنقاش يسير وفقا لإحاطات معرفية واسعة تؤدي لاتخاذ القرارات الكفيلة بإنجاز الهدف.
فما قيمة الديمقراطية والمنتَخبون لا يستطيعون النطق بعبارة بلغة عربية صحيحة، ويعجزون عن وضع أفكارهم في كلمات واضحة، والذين حولهم من المنافقين المضللين المنتفعين الفاسدين؟!!
إنها وجيع مستطير وليست ديمقراطية!!
واقرأ أيضاً:
الانفتاحية!! / إرادة الحرب وإرادة السلام!! / الانقطاعية!! / الانحرافية!! / انتحابات!! / دولة الكراسي؟!