التعريف الحقيقي والأصدق للديمقراطية هو ديكتاتورية القانون وتسلطه على حياة الناس. أي أن الديمقراطية بجوهرها استبدال ديكتاتورية الفرد بالقانون الذي يعلن استبداده المطلق، ولهذا فإن المجتمعات المسماة ديمقرطية يكون فيها للقانون سطوة وصرامة، فلا يعلو أحد عليه، والجميع يخضعون لسلطته، والقانون يسنه أبناء المجتمع المنتخبون لتمثيله في السلطة المنتظمة بقانون ومعايير وآليات راسخة لا تقبل القسمة إلا على نفسها.
ولهذا أيضا، فإن المجتمعات التي لا تعرف القانون ولا تفهم في السلوك المنصبط والمحكوم بأخلاقيات ومعايير قانونية، لا يمكنها أن تبني تجربة ديمقراطية، بل إن الديمقراطية ستكون حالة منفلتة ومدمرة لوجودها بأكمله، كما يحصل في عدد من الدول التي حسبت الديمقراطية انتخابات وحسب، وما انضبطت أو انصاعت لقانون، فعم الظلم والفساد والاستلاب وغياب الحقوق والواجبات.
فالسلوك البشري لا يمكنه أن ينتظم إلا بقوة رادعة وقاهرة لهواه ونواياه ونوازعه وتكوناته الاندفاعية العارمة، فإما أن يكون تحت طائلة الاستبداد الفردي السلطوي وغيره، أو يخضع لإرادة القانون الصارم الذي لا يعرف المساومة والهوادة ويؤكد قيمته التي تضع على رأسها تاج العدل والإنصاف.
فجوهر الديمقراطية قوانين ضابطة تطال جميع مَن في البلاد ، ولا أحد مهما كان منصبه يمكنه أن يكون فوق القانون الذي هو الحاكم المطلق الصلاحيات. ولن تتمكن مجتمعاتنا من التعبير عن الديمقراطية مهما توهمت مادام القانون يرزخ تحت قوائم الكراسي وأقدام المتسلطين على الناس، وما دام هناك مَن هم فوق القانون. فعندما يكون للقانون مقامه ودوره وقوته وسلطته وآلياته الصارمة الحاكمة، عند ذاك فقط يمكن القول بوجود حياة ديمقراطية في مجتمعاتنا، أما هذا الانفلات السلوكي فهو من أشد أعداء الديمقراطية.
ولذلك فمن الواجب أن تعمل الأنظمة الساعية نحو الديمقراطية على تأكيد الثقافة القانونية، ووجوب العمل بالقوانين المشرعة من قبل السلطة التشريعية في البلاد.
فهل سيكون القانون حاكمنا؟!!
واقرأ أيضاً:
الانقطاعية!! / الانحرافية!! / انتحابات!! / دولة الكراسي؟! / نمطيات التفكير الخائبة!! / الصحوة الديمقراطية!!