من عجائب الواقع العربي أنه مصاب باضطرابات سلوكية وخيمة مقيمة متوارثة مع الأجيال، خلاصتها أن كل قوي فيه يصارع القوي، والأقوياء من حولهم يستثمرون في الصراع، ويسخرون القوي العربي للنيل من القوي العربي، والخاسر عربي والمغلوب على أمره عربي. والأيام تتوالى والأجيال تتوافد، واللعبة ذات اللعبة، والناعور يدور ويسكب في بيداء الضياع والهلاك الأبيد.
نعم، العربي يصارع العربي، في البيت والشارع والمحلة والقرية والمدينة والوطن، والقوي في الوطن يتصارع مع القوي في الوطن الآخر، ولهذا يبدو الواقع العربي عبارة عن معارك طاحنة على جميع المستويات، وما بين الدول العربية كافة، التي ما تعلمت كيف تتفاعل بإيجابية وقابلية على تنمية القدرة والعزة والكرامة، وإنما انحدرت إلى الحضيض والتبعية والهوان، فحصدت المزيد من الخسران.
وفي الواقع السلوكي أن أية كينونة مهما كان نوعها عائلية، فردية، مؤسساتية، تتحذر من صراع القوى وتحاول أن تستثمر الطاقات فيما يزيد الاقتدار الإنجازي ويطور المهارات التفاعلية ما بين الفاعلين أو العاملين، لأن التجارب البشرية المتكررة أظهرت خطورة هذا السلوك الاستنزافي الاستلابي الفتاك.
ولهذا نجد تقييم أي حالة ينظر أولا إلى وجود تصارع القِوى من عدمه، وبعد ذلك يلتفت إلى الجوانب الأخرى، لأن أي علاج لأية مشكلة لا يمكنه أن يتحقق بوجود تصارع للقِوى، ومن المروع أن الواقع العربي بسلوكه يرفع شعار "وما اجتمعت بأذوادٍ فحول"!!
وعليه فإن من الضرورات القصوى أن يتنبه العرب إلى هذه العاهة السلوكية المقيمة المرعبة التي أوصلتهم إلى أسوأ الأحوال، والتي تذبحهم جيلا بجيل، وتقضي على تطلعاتهم وأحلامهم وتمنعهم من الوصول إلى أي هدف مفيد.
وكأنها قتّالة لنسغ الوجود الدفاق وهدّارة لطاقات أكون.
فهل سنتجنب هذا الصراع الكمين؟!!
واقرأ أيضاً:
انتحابات!! / دولة الكراسي؟! / نمطيات التفكير الخائبة!! / الصحوة الديمقراطية!! / ديكتاتورية القانون!!