القوى المهيمنة على الدنيا بقدراتها العسكرية قد بدأت مشاريعها النووية منذ بدايات القرن العشرين، ولو لم تنته الحرب العالمية على ما انتهت عليه، لمرت الأرض بمرحلة التدمير النوي المروع في نهاية النصف الأول منه، لكنها انتهت بقنبلتين نوويتين ألقيتا على هوروشيما ونكازاكي في اليابان. وبعد أن مرت عقود وتمترست قوى بقدراتها النووية الفتاكة وتواصلت بإنتاج أسلحة ما بعد النووية، انطلقت دول في العالم بلا قدرات علمية وبحثية وكتمانية تدّعي بأنها تسعى لتصنيع قنبلة نووية، أو لامتلاك سلاح نووي، وهي تعتمد على الآخرين، متوهمة بأنهم سيهدونها التكنولوجيا والخبرات اللازمة لذلك، وفي هذا السلوك تضع نفسها في ورطة مدمرة.
وقد حصلت الحالة في العراق وليبيا وإيران، وبعض الدول الأخرى الخالية من المؤهلات العلمية والبحثية، والفاقدة لثقتها بنفسها وعلمائها وخبرائها في هذا المجال، بينما الباكستان اعتمدت على نفسها وتوطنت صمتها وكتمانها، فتمكنت من انتزاع اعتراف العالم بها على أنها دولة نووية، وبقدراتها ومجهود علمائها التي تثق بهم وتؤازرهم وتحميهم وتذود عنهم لأنهم رموزها الوطنية المنيرة. وقد حصل للعراق ما حصل لفقدان الحكمة والتدبير الرشيد، وكانت التصريحات هي القنابل النووية، التي أطاحت بالوجود العراقي وأفنت القوة والقدرة على الحياة. وفي ليبيا تأكدت ذات الأساليب الساذجة الخالية من الحنكة والمهارة السياسية والتفاعل الذكي مع الآخرين، حتى أفشت ليبيا بالذين ساعدوها على بناء مشروعها النووي، مما تسبب بمشاكل للباكستان وعالمها القدير الذي أوجدها كقوة نووية. وفي سوريا تكررت المأساة وتم تدمير الموقع المفترض للمشروع النووي.
والخلاصة أن الدول التي أخذت تفكر اليوم بالسلاح النووي إنما ينقلب فعلها عليها، وتتحول إلى هدف للآخرين المفترسين المهيمنين على مصيرها، فتعاني من الحصار والدمار والخسران الشديد.
واليوم إيران في مواجهة صعبة وتتحدى ما لا قدرة لديها على مواجهته، وتحسب أنها قوية وما هي إلا أضعف مما تتصور بكثير أمام هذه القدرات الفتاكة التي يمكنها أن تحيل قارات إلى عصف مأكول. ولا أحد من القوى القوية يريد المواجهة مع قوة قوية لأن الخسران سيتحقق بفظاعة غير مسبوقة في التأريخ، ولهذا فإنها تبتعد عن المواجهة المباشرة مع بعضها، وتستعبد الآخرين لتخوض مواجهات غير مباشرة مع بعضها، كما هو واقع الحال في الدول التي تحولت إلى ميادين صراعات وسوح حروب لا تنتهي، بعد أن تمزقت شعوبها وصارت مفرغة من الوطنية والغيرة على البلاد، وانتمت للمتقاتلين بواسطتهم والذين يسخرونهم لتنفيذ غاياتهم.
ولهذا فإن القول بأن الدول الضعيفة ستكون نووية أمر مُحال، وحتى إن وصلت إلى هذا الهدف فإنها لن تحقق شيئا، لأن هناك قدرات تتفوق عليها وتقضي عليها في لمحة بصر، فهي بوصولها إلى امتلاك السلاح النووي تسوّغ الهجوم عليها بسلاح نووي، والهاجم عليها أعظم فتكا من الذي امتلكته، لأنه سيكون بدائيا وقاصرا بالمقارنة بما لدى الآخرين.
وعليه فإن هذيانات وأوهام النووي عليها أن تُنتزع من العقول والنفوس، ما دامت مستوردة ومعتمدة على الآخرين، وفاقدة لآليات القدرة الذاتية والثقة بالخبراء والعلماء في البلد الذي يسعى لما يريد.
ومن الأفضل أن تتوجه المجتمعات في المنطقة إلى تأكيد الرؤية الاقتصادية، والعمل على الاهتمام بالإنسان والعمران، وتتعلم مهارات صناعة الحياة المشتركة بعيدا عن العقائديات وأوهام التأريخ الموغلة بالفنتازيا والسرابية الحمقاء.
فهل نتعقل لنكون؟!!
واقرأ أيضاً:
انتحابات!! / دولة الكراسي؟! / نمطيات التفكير الخائبة!! / الصحوة الديمقراطية!! / ديكتاتورية القانون!! / قِوانا تأكل قِوانا!!