القرن الحادي والعشرون، يشهد سقوط النظريات والآيديولوجيات، بل إن هذا المسار قد انطلق منذ بداية العقد الأخير من القرن العشرين، وكان الدليل الأول هو انهيار الاتحاد السوفياتي، والعلامة البارزة انهيار جدار برلين. فالنظام السياسي ما عاد ديمقراطيا ولا اشتراكيا ولا رأسماليا ولا غير ذلك، وإنما صار وعاؤها جميعا وأكثر.
ومن المعروف أن النظام السياسي الذي مضت عليه البشرية منذ الأزل يتسم بالفردية والاستبداد والقبضة الحديدية المؤزرة بقدرات الغيب المقرون بالآلهة والأرباب، والمنطلقة فيما بعد من العقائد الدينية المنزلة على الرسل والأنبياء.
وفي واقع السلوك البشري أن ما يتحقق في مسيراته عبر العصور، إنما يؤكد صوت الغاب وإرادته وقوانينه التي يحاول البشر الالتفاف عليها بمسميات وأقنعة ومظاهر وشعارات ورسالات ومعتقدات ومنطلقات، يسميها نظريات وبديهيات وما يتصل بها من التسميات. والحقيقة، أن ديدن السلوك وبوصلته تتأكد بالمصلحة، فالمصلحة هي كل شيء، ولا شيء يعلو على المصلحة.
وفي عالم اليوم المصالح تتنتصر وتتصارع وتخوض معارك متنوعة غايتها تأكيد مطامعها وقدرتها على التحكم بمصير الآخرين من أبناء الدينا الذين استلطفوا أدوار الضحايا، وارتضوا بمصير الوقوع فرائس بين مخالب وأنياب الأقوياء. ووفقا لهذا فإن ما عهدته الدنيا في القرن العشرين من تصورات صار باهتا وخاليا من طعم المصلحة، ولهذا فإن القوى المتأسدة قد استدارت مئة وثمانين درجة، وراحت تبحث عن آليات لتحقيق مصالحها العظمى.
فالقوة الحقيقية هي القوة الاقتصادية والتمكن من الاستحواذ على الحاجات البشرية، وقد أدركت ذلك الصين قبل غيرها من الدول، فأمعنت بالاستثمار بهذا الاتجاه، حتى صارت تهيمن على أسواق الدنيا وتغدقها ببضائعها ومصنوعاتها. وقد انتهجت الصين ومنذ عقود نظام ما بعد الديمقراطية، فهو يخلط ما عهدته البشرية في القرن العشرين ويستنبط منه نظاما معبرا عن إرادة البشر ومحررا لطاقاتهم وقدراتهم الإبداعية الساعية للعطاء والنماء.
فالنظام الصيني، ليس شيوعيا ولا رأسماليا ولا ديمقراطيا، وإنما قد تجاوز ذلك ووضع الأسس الانطلاقية نحو نظام حكم غير مطروق في السابق، وبهذا تمكنت الصين من إقامة نظام يكفل حياة ما يقرب من ثلث سكان الأرض ويمنحهم الفرص الكفيلة بالتفاعل الإيجابي والإنتاج المربح.
فهل سنتعلم ونبتكر نظامنا السياسي المحقق لمصالحنا وتطلعاتنا الحضارية؟!!
واقرأ أيضاً:
قِوانا تأكل قِوانا!! / النووي والذي لا يرعوي!! / الفراشات الحديدية!! / العربقراطية!!