الديمقراطية سلوك جديد على البشر، فالمسيرة البشرية وعلى مدى العصور محكومة بالقوة والسلطة المطلقة، ولم تحصل تجربة ديمقراطية حقيقية إلا في بدايات تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة ونهايتها في الكوفة، وقبلها في اليونان كانت هناك دعوات للديمقراطية أو حكم الشعب، وانتهت إلى ما انتهت إليه، ففي التجربة الإسلامية ثلاثة من الخلفاء انتهوا بالقتل، ولم يسلم منه إلا النبي والخليفة الأول من بعده، وفي اليونان انتهى سقراط بشرب السم.
وما حصل في العالم من تجارب ديمقراطية منذ الثورة الفرنسية وحتى اليوم، لم تكن سوى سلطة استبدادية جماعية، السلطة العليا فيها للقانون والدستور، أي أن المجتمع الذي يُسمى ديمقراطيا، محكوم بقوة القانون المطلقة، وهذا يعني أن السلوك البشري لا يمكن تهذيبه والسيطرة عليه إلا بالقوة. وجميع الأنظمة الديمقراطية في العالم المتقدم، هي أنظمة سيادة القانون وإحكامه القبضة على سلوك البشر، لأن الطبيعة البشرية لا تتفق والحرية بمعناها الجوهري، لتناسيها الشعور بالمسؤولية وميلها لإلغاء حق الآخر أو وجوده.
وهذه العلة السلوكية المترسخة في أعماق الوجود البشري من المعوقات القاهرة لأي نظام يسعى للحرية والديمقراطية بمعانيها الصحيحة العادلة، وما يجري في مجتمعاتنا هو السعي لفرض نظام حكم بتقاطع مع طبيعة السلوك البشري وتأريخ التفاعلات في المنطقة، التي تعودت على نمطية أنظمة حكم قاهرة.
ويبدو أن الصين من المجتمعات التي وعت هذه الحقائق فأسست لنظام حكمها المتفق وطبيعة السلوك والنفس البشرية، ولهذا فهي ناجحة في تأسيس نظام حكم لإدارة شؤون ربع سكان الأرض بنجاح وتفوق على جميع المستويات، بعد أن ابتكرت آليات الاستثمار بالطاقات البشرية وتحويلها إلى ثروة اقتصادية وإبداعية فائقة.
ومن هنا فإن مجتمعاتنا لا يمكنها أن تنجح إلا بدراسة نظام الحكم في الصين، ومحاولة تعلم قوانينه وآلياته التي تصنع الشخص المؤهل لتسلم منصب في السلطة، لأن ما تقوم به الصين يُعد من أنجح الأنظمة السياسية، إنه نظام يعتمد معايير وآليات ذات قيمة قيادية وإبداعية وتثويرية تجدد مسارات الحياة وتفتح الفرص المطلقة أمام أمواج البشر المتدفق من الأرحام.
فالصين نجحت وتجدد نجاحاتها، والمجتمعات التي نسميها ديمقراطية نجحت لكنها تتعثر بنجاحها ووصلت إلى طريق مسدود، وانحشرت في مآزق اقتصادية واجتماعية ربما ستؤدي إلى انفجارات متعاقبة في المستقبل، وستدفع بالحياة نحو الحروب المروعة، لأن أساس كينونتها المعايير الرأسمالية التي تستوجب الاحتكار والعقيدة المادية البحتة، وآليات الربحية الجشعة.
فهل أن الديمقراطية داء أم دواء؟!!
واقرأ أيضاً:
قِوانا تأكل قِوانا!! / النووي والذي لا يرعوي!! / الفراشات الحديدية!! / العربقراطية!! / ما بعد الديمقراطية!!