"كن رجلا!" نداء وشعار تحول في الأيام الأخيرة إلى هاشتاج ذي تردد عالي بين شباب المغرب، وأعتقد أن كل أرض العرب تحتاج لمثل هذا النداء، فهو بلا شك صحوة، بل ثورة أخرى ستنتج ما رجيناه من الربيع العربي، ثورة على الظلم والفساد.
هذا ما فهمته وتوقعته عندما سمعت هذا النداء "كن رجلا!"، إلا أنني فوجئت أن هذا النداء أو الشعار والذي تحول في الأيام الأخيرة إلى هاشتاج ذي تردد عالٍ بين شباب المغرب، ليس إلا صدى لما أطلق بالجزائر عام 2015 حيث ظهر أول مرة هناك.
وصدمت عندما علمت أن هذا النداء يهدف إلى أن يمارس الرجال سلطة خاصة على النساء لإرغامهن على ملبس محتشم، والهدف من هذا المقال ليس الجدل حول لباس المرأة، فمن حيث المبدأ أنا أحبذ الاحتشام ولا أستسيغ الابتذال في الملبس للنساء كان أو للرجال، ولكني أعتقد أن دور الرجال والنساء في المجتمع يفوق ذلك بكثير، فليس هذا ما نحتاجه اليوم!
فعندما نتمعن فيما ما تمر به مجتمعاتنا من مصائب وتراجعات في مواجهة مسخ متعمد لتاريخنا وحاضرنا وتفريط في مستقبلنا واستسلام علني لعدونا الأول، والتناحر بين شعوبنا وتسلط حكامنا، والظلم والفساد الذي عم أراضينا، ندرك أن ما نحتاجه هو الثورة على الظلم والفساد. ثم تفاجئنا تلك النداءات وبلا شك بحسن نية من الكثيرين، فتقوم هذه النداءات التي تبدوا براقة منطقية بإبعادنا عن دورنا الحقيقي والذي يتطلع له المجتمع، ويتحول دور هذه الشعارات إلى شعارات لإحداث الشرخ في المجتمع وتحويل أبناء المجتمع من قوة تغيير إلى عداوات تقسم المجتمع أكثر فأكثر، وهنا تكمن الخطورة، وتزداد خطورتها على المجتمع باستخدام الدين لهذا الغرض.
وهذه ليست المرة الأولى، فأعداء الوطن والمسيطرون على الأمور في البلاد يعلمون كيفية استغلال هذه الأمور في أوقات معينة لتحقيق هدفين واضحين،
- إحداث الانقسام الأيديولوجي في المجتمعات حيث ينصرف كل صاحب فكر أو أيديولوجية للتمركز في خندقه دفاعا عن مبدئه، فيظهر الصراع بين الدين وحرية المرأة، وكذلك الصراع بين الرجل والمرأة، فبدلا من أن تتحد الأيدلوجيات ويتحد الرجال والنساء لمواجهة الفساد والظلم والاستبداد، يتنازعون فتفشل ريحهم.
- تحويل الدين من صرخة حق في وجه حاكم ظالم إلى صراع على شكل الملبس والرجولة المفقودة في ذلك الذي لا يتحكم في زوجته، لتعلو في المقابل مقولة كارل ماركس أن "الدين أفيون الشعوب"، وهو ما عرف عن ماركس من ادعاء أن الدين هو استسلام للظلم.
بلا شك غالبية من يردد هذه النداءات، يرددها بحسن نية فهي تبدو في ظاهرها دعوة للأخلاق ومحاربة الرذيلة لكنها سرعان ما تتحول إلى أداة جذب تسحب المجتمع إلى دوائر معتمة تختلط فيها الأمور ويتوه فيها الهدف.
تصورت أنه في ظل ذلك المناخ سيكون نداء"كن رجلا!" هو صحوة للتصدي للظلم والفساد لاقتلاع حقوقنا، وللوقوف يدا واحدة في مواجهة ذلك التردي الذي نعيشه، ففي العمل العام والسياسة لفظ "كن رجلا!" هو لفظ جامع لكل أفراد المجتمع من نساء ورجال يعني الوقوف مع الحق والتضحية في سبيل إعلاء كلمة الحق والتصدي للفساد. فالمجتمع يعتمد على الرجل والمرأة من خلال ممارسة حقوقهم وواجباتهم على المستوى العام.
إن نداء "كن رجلا!" الحقيقي يجب أن يكون نداء لإنقاذ وطننا وأبنائنا ونسائنا من أيد السلطة المغتصبة، وألا يتحول إلى شعار لإحداث الشرخ في المجتمع وتحويل أبناء المجتمع من قوة تغيير إلى عداوات تقسم المجتمع، فإن لم نقاوم ذلك الفساد والاستغلال المعشش على أراضينا فلا امرأة ستجد أيا من حقوقها ولا رجل سيبقى إلا ذلك المستسلم الخانع.
فلنكن رجالا جميعا بمعنى الرجولة الحقيقية ولندافع عما بقى من أوطاننا وأهلنا وأبنائنا.
24 يوليو 2018
واقرأ أيضا:
الديمقراطية حق! / ثورة أم حل أزمة وقتية