"العراقيون ما تصير لهم ﭽارة" أو "العرب ما تصير لهم ﭽارة" وغيرها الكثير، والمعنى أنهم متورطون في غيهم واضطرابهم وسوء سلوكهم ولا يمكن إصلاحهم مهما حاول المصلحون.
ومضت على هذا المنوال، الكتابات والتحليلات والتفسيرات والتبريرات والتسويغات والترسيخات، ولا أحد يمكنه أن يفكر خارج الصندوق الذي وضعهم فيه ابن خلدون، وهو دوامة البداوة والحضارة وما يرتبط بهما ويتفرع منهما، ولا جديد فيما يقوله المفكرون المعاصرون من العرب، إنهم يكررون ما لا قيمة له ولا معنى ولا قدرة على التبصير والتغيير، وكأن العرب لوحدهم كانوا بدوا أو أنهم لوحدهم مروا بالمراحل المذكورة، وكأن المجتمعات الأخرى ملائكة وما قامت بما قام به العرب، وفي هذا إجحاف وظلم وجهل وأمية بتأريخ الشعوب وبديهيات السلوك البشري وقوانينه، التي يشترك فيها جميع البشر وحتى الحيوان وباقي المخلوقات.
من الأنصف القول أن "البشر ما تصير له ﭽارة"، وليس التركيز على فئة معينة وتعميم وصفهم بذلك، فالحقيقة أن البشر من أخطر المخلوقات وأوحشها وأقساها وأشرسها، ولهذا ومنذ الأزل انطلقت آليات لجم جماح ما فيه من طاقات السوء والشرور، فابتدأت بالردع الإلهي والقانوني والقوة وغيرها من الروادع التي تواصلت وتنامت مع زيادة أعداد البشر، وأبشعها الحروب، وبسبب ذلك أنشئت الشرطة والحراس وقوى الأمن والاستخبارات والمخابرات والسجون والمعتقلات، والنفي وسوح الإعدامات وميادين التخويف والترويع، ولا يزال البشر من أقدر المخلوقات على نفث شروره وارتكاب أفظع الجرائم التي تتصدر نشرات الأخبار كل يوم.
والفرق بين مجتمعات الدنيا هو بدرجة سيادة القانون ونفاذه وثبات ورسوخ النظام السياسي فيها، والعلاقة بين ذلك و"ﭽارة" علاقة طردية، فكلما نفذ القانون وساد واستقر النظام السياسي وتحقق أسلوب واضح لتداول السلطة أو القوة السياسية، فإن المجتمع تصير له ألف ﭽارة وﭽارة، أما إذا انتفت فالحالة بلا ﭽارة.
فالحقيقة الواضحة والمريرة التي يتغافلها أو يتجاهلها الذين يتناولون الموضوع العربي من زواياه الاجتماعية والمجتمعية، إن المجتمع العربي بلا نظام سياسي مستقر غني بالتراكمات والإضافات التعزيزية الكفيلة بصيانته وبناء المجتمع المستقر الآمن على ضوئه، كما هو الحال في المجتمعات الغربية المعاصرة التي تتمسك بأنظمة سياسية راسخة ومتداولة عبر الأجيال، التي تضع عليها لمساتها الضرورية لتقويتها وديمومتها.
بينما المجتمع العربي يخضع للتقلبات والاضطرابات والانقلابات السياسة الفوضوية، التي أفقدت الناس الشعور بالأمان والاطمئنان وزرعت فيهم الخوف والقلق والشك وعدم الوثوق بالمستقبل، وكأن الإنسان العربي يعيش ليومه وحسب ولا يدري ماذا سيحصل للواقع السياسي في الغد، وهذا الوضع النفسي الإقلاقي يكتنف المجتمع العربي من مشرقه إلى مغربه، ولهذا فإن الطابع السلوكي السائد ينبع من هذه المفردات التي لا تمكنه من اتخاذ القرار الصائب والعمل بسلوك رشيد.
وكل ما قيل وكُتب من مقالات ودراسات وكتب لم تؤثر في الواقع العربي ولم تغيره، لأنها تفترض ولا ترى واقعا قائما وتتعمى عن جوهر المشكلة ومنبعها وتقرأ النتائج والتداعيات الناجمة عنها وتحسبها مشكلة جوهرية، وما هي إلا فرعية ذات سبب واضح وساطع يخشى الدارسون والباحثون النظر إليه، لأن السلطة ذات سيف يسبق العذل، وهذا هو ديدان السلوك الذي ينتهجه مفكرو الأمة والباحثون في شئونها، ويحسبون العرب وكأنهم ليسو من بني البشر ، وإنما أقوام من أجرام سماوية أخرى، وذوي صبغات وراثية مختلفة عن بشر الدنيا في مجتمعاتها المتعددة.
إن العلة في الأنظمة السياسية وليس في العرب، فهل من ﭽارة لأنظمة تقهر العرب وتسمى (سياسية) يا أقلام العرب؟!!
ﭽارة: حل
تصير: توجد
واقرأ أيضاً:
الأسلبة في الكتابة!! / اشتريت تذكرة المونديال من مالي الخاص!! / مَن يغتصب إرادة الحياة تنال منه الحياة!! / أمية الأجيال