الأحزاب التي تسمي نفسها دينية ذات عقائد لا تمت بصلة للوطنية، أي أنها في جوهرها أحزاب لا وطنية، وإنما عقائدية ومنتمية إلى العقيدة التي تتبناها أو تؤمن بها، ولهذا فإن الوطن الذي تكون فيه لا يعنيها بل تحسبه مصدرا للمال والرجال لتوظيف عقيدتها، والتعبير عنها والتلاحم مع الذين ترتبط بهم أو تعتقد بمثل ما يعتقدونه.
وإن صح التعبير فهي أحزاب تائهة متوهمة تطارد سرابات متنوعة، وتعصف في رؤوسها أعاصير الضلالات والتحريفات والتأويلات المتفقة مع وهمها الأساسي، الذي يقودها ويحكم عليها بالفناء والخسران.
ووفقا لذلك فإن هذه الأحزاب لا يمكنها أن تبني دولة وترعى مصالح وطن، لأنها لا تؤمن بدولة ووطن، وذلك يظهر جليا فيما تقوم به في العديد من البلدان، وكيف أنها مزقت المجتمع وخربت الأوطان، وأمعنت فسادا واستحواذا واستعبادا وتنكيلا وحرمانا، بالناس المخدوعين بهم والمضللين المستعبدين بعمائمهم ورموزهم الداعية لتمجيدهم.
تلك حقيقة فاعلة لكنها تغيب عن وعي المجتمع، ويتم إخفاؤها بالخطب والفتاوى والادعاءات الكاذبة الساعية لتجريد المواطنين من حرية تقرير مصيرهم، وتحويلهم إلى موجودات مأمورة وتابعة لهذه الفتوى أو تلك، ولهذه العمامة وأخواتها.
ففي عرفها الفساد حلال وسلوك شرعي، وكذلك النهب والسلب واغتصاب حقوق الآخرين، وسرقة المال العام، لأنها ستكون حلالا وفقا لفتوى وتبرير وتفسير وتأويل، بل إن الموبقات والمحرمات تصبح من طقوس التقرب إلى رب هذه الأحزاب.
فلكي نفهم حقيقة ما يحصل في بلدان ثرية تمكنت منها هذه الأحزاب، علينا أن ندرك ما يدور في رؤوسها من انحرافات فكرية وتصورات هذيانية وتأويلات بهتانية، وكيف أنها تسوّغ وتشرعن ما يتقاطع مع أبسط قيم ومبادئ الدين الذي تدعيه وترفع راياته.
ولهذا فلكي تصنع دولة فاشلة منقوصة السيادة وتمحق وطنا وتقهر شعبا عليك بتولية هذه الأحزاب على مقدراتها، فبذلك يتم تأكيد مآرب الطامعين بالبلد والشعب، ويتحقق الإهلاك المروّع المرير، ولا أحد يمكنه أن يقول شيئا لأن الجميع رهائن عمائم ذات سلطان وثراء وفساد عميم!!
واقرأ أيضاً:
القائد بحاجة إلى نقدٍ ومعارضة!! / متى سنعيد عقولنا للخدمة العامة؟!! / أحزاب وخراب!! / الذين يحلمون ومن السراب يشربون!!!