يحتدم النقاش وتتعالى أصوات المتحاورين الإسرائيليين حول جدوى الحرب على قطاع غزة، في ظل تزايد احتمالات قيام جيش العدوان بشن حربٍ رابعةٍ على غزة، والتراشق الإعلامي المحموم بين الطرفين، والخروقات الأمنية والعسكرية الحادثة على طول السياج الفاصل شرق وشمال قطاع غزة، وعلى امتداد الحدود البحرية المتاخمة للمستوطنات الإسرائيلية شمال القطاع،
أما في حال قيام كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس بالدرجة الأولى، أو سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بدرجةٍ أقل، بعملٍ عسكريٍ موجعٍ ومؤلمٍ، يستهدف المستوطنين أو الجنود، ويطال المدن البعيدة أو القريبة، ويلحق خسائر مدنية أو عسكرية، فإن عدداً من الباحثين الإسرائيليين المهتمين بالشأنين الأمني والعسكري، يرون أن رد فعل جيش الاحتلال سيكون قوياً وصاعقاً، ومؤلماً للطرف الآخر وموجعاً، وسيطال في دقائق معدودة أغلب المواقع العسكرية والمراكز الحساسة للقوى الفلسطينية، ولو أدت العمليات العسكرية لوقوع ضحايا في صفوف المدنيين، ذلك أن القوى الفلسطينية تختبئ بين المدنيين وتحتمي بتجمعاتهم السكنية وجامعاتهم ومدارسهم وأماكن عملهم، الأمر الذي يحول دون وقوع خسائر في الأرواح في صفوف المدنيين، الذين يتجنبون الابتعاد عن الأهداف العسكرية.
لكن هذا الفريق من أصحاب رأي الرد العنيف والتعامل الموضعي القاسي، لا يرون وجوب إعلان الحرب، أو توسيع العمليات العسكرية، أو حتى تواصلها وشمولها كل مناطق القطاع، بل يفضلون العمليات السريعة الحاسمة، التي تصيب الهدف وتكوي الوعي، وتحقق الغاية المرجوة من القصف، وهذا يتأتى من خلال القصف الجوي الدقيق،
لكن غالبيتهم يرون أن إعادة احتلال قطاع غزة خطأٌ فادحٌ وفخٌ كبير، وسيكون مصيدة مؤلمة لجنودهم، وسيعرض هيبة جيشهم للخيبة، إذ ستنجح القوى الفلسطينية في استهداف جنودهم وتدمير آليات جيشهم، وإلحاق خسائر كبيرة في صفوفهم، في الوقت الذي يرون أن جيشهم قادرٌ على إعادة احتلال القطاع، لكن المن لن يستقر له، وقوى المقاومة الفلسطينية لن تخضع له، وسجونه ومعتقلاته لن تتسع لأبناء القطاع، الذين هم بموجب القوانين العسكرية متهمون ومدانون، إذ أنهم جميعاً ينتسبون إلى الفصائل الفلسطينية، ويحملون سلاحاً ويتلقون تدريباً، ويخططون لمهاجمة أهدافٍ إسرائيلية، فهل يقوى الجيش على اعتقالهم جميعاً، وهل تستطيع محاكمهم العسكرية إدانتهم ومحاكمتهم جميعاً، وهل سيسكت المجتمع الدولي عن وقوع مجازر كبيرة وسقوط ضحايا كثر في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
لا يقلل المحللون الإسرائيليون من قدرة المقاومة الفلسطينية الصاروخية، التي باتت كبيرة ودقيقة وذات مدياتٍ مختلفة، ولديها القدرة على الإصابة والتدمير، ولا يخفون تخوفهم من الطائرات المسيرة وسلاح البحرية الذي طورته المقاومة ولم تدخله في الحروب السابقة، لكنهم يعتقدون أن هذه القدرة مهما عظمت فإنها تبقى محدودة، ومن الطبيعي أن تتناقص وتتراجع في ظل الاستهداف المباشر لمستودعاتها ومخابئها ومنصاتها المتحركة،
لكنهم يبدون تخوفاً كبيراً من تورط الجيش في عملياتٍ برية، تتطلب دخول قواتٍ كبيرة، ومشاركة سلاح الدبابات والمدرعات التي ستتسبب في إحداثٍ دمارٍ كبير وأحياناً شاملٍ في المناطق التي تدخلها القوات البرية، إلا أن التخوف الأكبر ينبع من قدرة القوى الفلسطينية على خوض معارك متفرقة وحروب عصاباتٍ منظمة، حيث أن مجموعاتها العسكرية باتت تمتلك القدرة العالية والكفاءة الكبيرة، ولديها أسلحة حديثة ومعداتٍ فتاكة، الأمر الذي من شأنه أن يلحق خسائر كبيرة في صفوف جيش الاحتلال.
ويضف هؤلاء أن قوى المقاومة الفلسطينية تمتلك الأرض وتعرف الميدان، وتتحرك في المناطق بسهولةٍ كبيرةٍ، مستعينةً بشبكة الأنفاق التي تتوزع في كافة أرجاء القطاع، وهذه الأنفاق فض لاً عن أنها تشكل ملاذاً آمناً لقواتهم، فإنها تعتبر مخازن للسلاح، وغرفاً للتنسيق وتبادل المعلومات، وهذا من شأنه أن يطيل من أمد المعركة، وأن يزيد في حجم الخسائر، وأن يعرض سمعة جيش الاحتلال للتلويث والتشويه، بالنظر إلى عدم قدرته على الحسم السريع والناجز، فإنه سيتعرض لانتقاداتٍ دوليةٍ كبيرة، قد تعجز الحكومة عن تحملها، في حال ارتفع عدد الضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين، وكثر حجم الدمار والتخريب في المنازل والبيوت والبنى التحتية الفلسطينية،
بيروت في 26/11/2017
واقرأ أيضا:
اتفاقية باريس الاقتصادية ارتهانٌ وتسلطٌ / رسالةٌ أمريكيةٌ لإيران خاطئةٌ وآمالٌ عدوانيةٌ ضدها ساقطةٌ / الفلسطينيون بين الحاجات الإنسانية والحقوق السياسية