الاختراع نشاط إبداعي نقل البشرية إلى مراحل متقدمة ومعقدة، والمُخترعات يقوم بها أشخاص بمفردهم وتصبج جزءً مهما من حياة البشر، والغاية من الاختراع في معظم الحالات هي الحاجة، لكن العديد منها صارت ترجمات لأفكار وتطلعات تعتلج في رؤوس المخترعين، وكل اختراع يزيد الحياة تعقيدا، ويوفر فيها وسائل جديدة للتعبير عن إرادات أخرى ذات نتائج سلبية.
والعجيب في السلوك البشري أن ما هو نافع يمكن تسخيره لما هو ضار، فلا يوجد مُخترَع واحد لغاية واحدة، وإنما ما أن يتحرك المُخترع في أروقة الحياة حتى تنطلق آليات استعماله وفقا لتفاعلات نفسية وعاطفية عاصفة في الأعماق البشرية التي تعبّر عما فيها بوسائل لا تُحصى ولا تُعد. فمنذ الأزمان السحيقة في القِدم والبشر يُسخّر ما هو نافع لما هو ضار وعدواني، فالحصان تحقق استعماله في الحروب، وكذلك الجمل والحمار والفيلة وغيرها من الحيوانات، التي دجنها البشر لخدمته وأصبحت من أسلحته، وقس على ذلك كل وافد جديد إلى ميادين الحياة، من الحجارة إلى الحديد والرصاص والبارود، بل إن البشر قد استعمل كافة العناصر الموجودة في الجدول الدوري لأغراض عدوانية، كما هو الحال بشأن اليورانيوم والبلوتيوم والعديد من العناصر النادرة التي يريد تحويلها إلى وسائل للعدوان والإضرار بالبشر.
وعندما اختُرع البارود صار القتل سهلا حتى تطور وأصبح البشر يمكنه أن يقضي على العشرات بضغطة واحدة على الزناد، ويقتل الآلاف بإلقاء قنبلة أو صاروخ معبّأ بما هو نووي وأكثر.
وبخصوص الطائرة فإنها قتلت الملايين، وما كان مخترعوها يفكرون بذلك وقت ابتكارها، لكنها وبعد بضعة سنوات صارت تلقي القنابل على المدن وتمحق العمران والناس الأبرياء في بيوتهم، التي تحوّلت إلى أهداف للطائرات الغائرة عليها. وكذلك السيارة وهي من وسائط النقل التي أسهمت بتفاعل وتطور الحياة، لكنها وبعد التقدم المتراكم في المخترعات، أصبحت من أهم الأدوات للقتل بتحويلها إلى قنابل موقوتة أو يمكن تفجيرها عن بعد، وقد تسببت بدمارات هائلة وجرائم مروعة.
وتمضي على هذا المنوال أية فكرة مهما توهمنا بأنها نافعة ومفيدة، فالبشر سيحتال عليها ويحولها إلى آلة لفعل الشرور والآثام، ولهذا تحققت أفظع الخطايا والجرائم باسم الأديان، التي تدّعي جميعها وبلا استثناء بأنها تدعو للفضيلة والسعادة البشرية، وتم استعمالها كأدوات أو مبررات لسفك الدماء وتسويغ قتل البشر.
وفي هذا الصياغ تكون الأحزاب والطوائف والمذاهب والمجاميع، التي تنطلق بتبرير الشرور مع أنها ترفع شعارات الخير والمحبة والقدرة على الحياة المثلى، فالشعارات تسويقية والأفعال تعبيرية عن جوهر الدوافع والنوازع الكامنة في البشر. ووفقا لذلك فإن الصراعات والحروب والخطايا والآثام تتراكم في متواليات التفاعلات البشرية الحامية، لأن لكل منها أدواته ومخترعاته ومنطلقاته النبيلة السامية!!
فهل من قدرة على لجم حصان السوء الذي فينا؟!!
واقرأ أيضاً:
العرب أمهر الخياطين!! / المُطالبة والمُغالبة!! / كيف يتحول البشر من رقم إلى إنسان؟!! / كوريتان قويتان!! / وطن وفتن!!