سأتناول موضوع الصحفي السعودي جمال خاشقجي كتعبير عن ظاهرة سلوكية متكررة في الواقع العربي منذ تأسيس الدول العربية وأنظمة الحكم فيها، وخصوصا الجمهورية أو العسكرية التي فتكت بأصحاب أي رأي.
واسم جمال شاع في البلاد العربية نسبة إلى الرئيس جمال عبد الناصر القائد العروبي المصري، الذي كان له تأثير فائق وحضور صاعق في وجدان تلك الأيام وأجيالها، فعندما نسمع بالاسم نعرف أن صاحبه من مواليد أواخر الخمسينيات أو بداية الستينيات من القرن العشرين.
وما حصل لجمال القائد ولجمال الصحفي من باب إرادة الأقدار، التي تُذهب بالأبصار، وتوقع الإنسان في مآلات لم تكن في الحسبان.
فهذا ما جرى يوم 5\6\ 1967 لجمال القائد، وما حصل يوم 2\10\2018 لجمال الصحفي، الذي لديه كل الأدلة والمبررات والمعلومات على أن حياته في خطر، لكنه تناساها وتم تمرير الخديعة عليه ومضى في ركبها حتى النهاية المأساوية المروعة.
لتكون خاتمته بمراجعته لقنصلية بلاده بعد انتهاء الدوام الرسمي، بخطة مدبرة لاستدراجه واستهدافه والتخلص منه بكتمان وأمان، داخل أسوارها وغرفها التي تحقق فيها الإجرام.
ولم يكن في الحسبان بأن هناك مَن ينتظره وسيسأل عنه بعد ساعات، على أنه دخل ولم يخرج!! تلك كانت المفاجأة الصاعقة التي جاءت حقا من باب عماء الأبصار!! فالرجل لم يبصر ويتحسب ويحترز بما يكفي، والقائمون بجرمهم حسبوا أنها ستمر بصمت ودون ضجيج. فحاق المكر بأهله، فانفضحت الأمور وتأكدت جريمة مشينة، بشعة لا تقر بها أبسط القيم والشرائع الدنيوية والسماوية.
قنصلية بلد تبتلع مواطنا من بلادها جاء لمتابعة أوراق زواج أو طلاق، فكان لابد من تصفيته لأنه لا يتفق وإرادة رأس النظام.
وهنا بيت القصيد وما أدى إليه عمى البصيرة، وكيف انتصرت إرادة العدل والقضاء الكوني القويم، وأوصلت الفاعلين إلى أقصى مديات سلوك الغباء.
فالعدالة الإلهية قائمة وإن توهم السُكارى بالقوة والسلطة وسفك الدماء والظلم، فما يفعلونه بغيرهم سيُفعل بهم حتما، وستتوفر الظروف والمؤهلات الكفيلة بوقوع النازلة.
فالذي افترس جمال الصحفي قد بدد أموالا هائلة لتلميع صورته، وتقديم نفسه على أنه المُصلح الكبير والخِل الوفي الذي عليه أن يُسانَد ويتعزز مقامه، لأنه سخي ويبذل أموال البلاد بلا طائل وينجز أهدافا يعجز عن التفكير بها غيره.
وحَسِبَ أن القوة والمال لا علاقة لها بالقيم والأخلاق والمبادئ، بينما كل شيء يتجرد من الأخلاق يفقد ذاته ويُهلك كيانه.
وما جرى في القنصلية التي ابتلعت جمال الصحفي يتنافى مع القيم والمعايير الدولية، وكأنه من أعمال المجموعات الإجرامية التي ظهرت موشحة بدين. فهو سلوك مخل بشرف الإنسانية والدين، والكلمة الحرة، وضد الأعراف الدبلوماسية والتفاعلات المعاصرة. ولذلك فإن النتائج ستكون باهظة، وستدفع دولة القنصلية مئات المليارات لتهدأة الرأي العام العالمي، وستتسبب لها برغم الأموال المبذولة بانتكاسات مصيرية لن تتعافى منها بسهولة، وإن أوجدت المصالح لها مخرجا مُخادعا مدفوع الثمن، أو تم تبريرها وتسويقها بأساليب شتى لحفظ ماء الوجه، فإنها فِعلة آثمة ألحقت بالإسلام ضررا بليغا ومشينا، وسيتحقق الإقران ما بينها والإسلام.
تلك إرادة الأقدار التي ستلقي كل قوة تتجبر في حفرة نهايتها الظلماء، ويُخشى أن دولة القنصلية التي افترست جمال الصحفي صاحب الرأي والمعلومة والتحليل الراجح، ربما ستفقد قوتها وثرواتها، وقد تتحول إلى حالة أخرى، وبسببها ستتآكل الدول من حولها.
فالأموال المسفوحة لسفك الدماء ستكون وبالا على أصحابها.
وهكذا فإن الأمم الأخلاق (وليست الأموال) ما بقيت"
و"إذا جاءت الأقدار عميت الأبصار"
ولكل حادثة حديث، وكل كرسيٍّ بفعله مُدان!!
وظلمُ المرءِ يَصرعُهُ!!
واقرأ أيضاً:
كيف يتحول البشر من رقم إلى إنسان؟!! / كوريتان قويتان!! / وطن وفتن!! / لكل مختَرعٍ غايتان!! / انقلابات واضطرابات!!