هناك مجموعة من الاضطرابات النفسية أو الجسدية التي تتميز بأعراض لا يمكن تفسيرها طبياً. موقع هذه الاضطرابات في الطب النفسي ومجلدات التصنيف العالمية المختلفة موقع متأزم على أقل تقدير. الكثير منها لا يطرق أبواب المراكز الطبنفسية، وعلاجها غير متفق عليه، وبسبب ذلك كانت هناك مطالبة من بعض المراكز الأكاديمية بحذف هذه الاضطرابات من تنصيف الاضطرابات الطبنفسية.
الفرع (التخصص) الطبي | مثال على المتلازمة |
الجهاز الهضمي | القولون العصبي Irritable bowel Syndrome |
القلبية | آلام الصدر الغير قلبية Non–Cardiac Chest Pain |
المفاصل | الألم العضلي الليفي Fibromyalgia |
التنفس | متلازمة فرط التهوية Hyperventilation Syndrome |
عدوائية | متلازمة التعب المزمن Chronic Fatigue Syndrome |
طب الأسنان | ألم الوجه الغير نموذجي Atypical Facial Pain |
العصبية | صداع التوتر Tension Headache |
الحساسية | الحساسية الكيمائية المتعددة Multiple chemical Sensitivity |
أنف وأذن وحنجرة | متلازمة اللقمة الهستيرية Globus Hystricus Syndrome |
التخدير | متلازمة الألم الحميد المزمن Chronic Benign Pain Syndrome |
عظام وكسور | الاضطراب المصاحب للمصع (الإصابة) Whiplash Associated Disorder |
الأمراض النسائية | ألم الحوض المزمن Chronic Pelvic Pain |
الطب النفسي | الاضطرابات الجسدية الشكل Somatoform Disorders اضطراب التحول Conversion Disorder |
يعود تاريخ هذه الاضطرابات الطبية لأعراض يصعب تفسيرها لأيام الفراعنة، ولها وجودها عبر التاريخ وأثارت اهتمام المدرسة النفسية التحليلية. هناك أمراض ومصطلحات عدة تدخل ضمن هذه الاضطرابات وفي جميع الفروع الطبية والجراحية. شاع استعمال مصطلح اضطراب جسدي الشكل Somatoform Disorder في الثمانينات من القرن الماضي وتم استبداله بمصطلح آخر اضطراب عرض الجسد Somatic Symptom Disorder مع صدور الطبعة الخامسة للمجلد التشخيصي الإحصائي للجمعية الطبنفسية الأمريكية عام DSM V ٢٠١٣.
هذه الاضطرابات متعددة وأحدها اضطرابات الألم الجسدي الشكل وأكثرها إثارة هو اضطراب التحويل Conversion Disorder أو المعروف شعبيا بالهستيريا حيث يتم عرض معاناة نفسية بمرض جسدي مثل الشلل وفقدان البصر. كان الطب النفسي ولا يزال متأثرا بفلسفة المدرسة التحليلية النفسية الذي تعتقد بأن الأعراض الجسدية مجرد تمثيل رمزي لأزمات وعقد نفسية تم كبتها وخزنها في منطقة لا شعورية لا تخضع لسيطرة الإنسان وإرادته. ولكن هذا الاتجاه في تفسير الأعراض الجسدية بدأ يفقد موقعه وفي العقود الماضية وولد اتجاه آخر يركز على أهمية الصدمات النفسية في تفعيل عملية نفسية تفارقية Dissociative والتي تؤدي إلى ظهور هذه الأعراض وليست بالضرورة خارج نطاق وعي الإنسان.
لكن في عام ٢٠٠٧ بدأت البحوث الطبية تستعمل مصطلح متلازمة أو اضطراب الضائقة الجسدية Bodily Distress. هذا المصطلح هو الذي سيظهر مع صدور الطبعة الحادية عشر للتنصيف العالمي للأمراض الطبعة الحادية عشر ICD 11.
المصطلح الطبي الشائع الاستعمال لوصف هذه المتلازمات هو الاضطرابات الوظيفية Functional Disorders ويعني ذلك:
١- الأعراض يتم تعريفها من قبل المريض.
٢- لا يمكن تشخيص المرض عن طريق الفحوص الطبية المختلفة.
٣- ولكن بسبب الأعراض يتدهور الأداء الوظيفي للمراجع في مختلف مجالات الحياة.
المسار الطولاني
الأعراض الجسدية التي لا يمكن تفسيرها شائعة ويشكو منها ما لا يقل عن ٨٠٪ من السكان بين الحين والآخر. معظم هذه الأعراض وقتية وينتهي أمرها بعد مراجعة المراكز الطبية الأولية خلال أسبوعين. رغم ذلك هناك مجموعة تتحول فيها الأعراض إلى مزمنة ويتم تحويلها إلى مراكز الرعاية الثانوية Secondary Care Centres.
قابلية الإصابة بهذه الأمراض تختلف من مريض إلى آخر. هناك عوامل بيولوجية، نفسية، اجتماعية، وتاريخ طبي سابق. يبدأ الاضطراب دوماً بسبب عوامل الإثارة Triggering Factors البعض منها طبية والكثير منها نفسية بسبب الضغوط البيئية. يتحول الأمراض إلى مزمن مع عدم وجود عوامل اجتماعية وطبية مساندة وتبدأ السلوكيات النفسية تطغى على حالة المريض وبذلك يتم ولادة حلقة مغلقة من تدهور وظيفي ومراجعات طبية لا تنتهي ومشاكل عائلية.
لدراسة واستيعاب اضطراب الضائقة الجسدية فسيتم التطرق إلى الألم بالتفصيل.
متلازمة الألم المزمن
الألم هو أكثر الأعراض الطبية التي يرسل المريض نحو الخدمات الطبية المختلفة ولا يمكن الاستهانة به لأنه واحد من الأعراض التي تحمل علماً أحمر اللون ينذر باحتمال وجود مرض خطير حاد أو مزمن قد يقضي على المريض. المريض يطالب بزوال الألم ومن ثم تفسير وجوده والطبيب يسعى أولا لتشخيص المرض الذي يسبب الألم والتخلص منه. هذه العملية الطبية التي يتفاعل فيها المريض مع الطبيب هي ممارسة يومية ولكنها تتعثر أحيانا وتستمر معاناة المريض من الألم ومعاناة الطبيب من فشله في معرفة سبب الألم والتخفيف منه ويغادر المريض عيادة الطبيب حاملا معه وصفات من عقاقير فعاليتها مؤقتة على أفضل تقدير وتفسيراً لا يقتنع به هو ولا يقتنع به طبيبه أيضا وهذا ما نسميه بمتلازمة الألم المزمن.
الألم المزمن هي متلازمة يتم تعريفها بألم يستمر أو يتكرر حدوثه لفترة زمنية طويلة وأحيانا لأجل غير مسمى ورغم أن الألم يصاحبه أعراض طبية أخرى تشير إلى مصدر الألم وسببه ولكن شريحة الألم المزمن تتميز بطغيان الشكوى من ألم لا تفسير له رغم جهود طبية لاكتشاف سببه.
جهود الطب للبحث عن سبب لوجود الألم لا نهاية لها أحيانا وقد تكون هذه الجهود بحد ذاتها مصدر ألم جديد للمريض والطبيب على حد سواء. النتائج الطبيعية للفحوص قلما تجيب على سؤال المريض والذي هو: ما هو السبب ومتى سينتهي هذا الألم؟
القاعدة العامة هو أن تدمير أي نسيج في الجسم يؤدي إلى تحفيز مستقبلات الألم ونقل إشارات عبر الألياف العصبية ترحل عبر النخاع الشوكي نحو الدماغ ليستقبلها المهاد Thalamus. عند هذه المنطقة الأخيرة التي تقع تحت القشرة المخية يتم الإحساس بالألم ويتم إرسال إشارات عبر ألياف عصبية نحو القشرة المخية لتحديد مكانه ومن ثم رد فعل الإنسان لهذا الإحساس.
الألم المزمن هو أكثر الأمراض انتشارا وقد يصيب منطقة واحدة أو عدة مناطق من الجسم. ما لا يقل عن ٤٠٪ من السكان يعانون من ألم مزمن من نوع ما وهناك ١٤٪ من الذين يعانون من ألم مزمن ولأجل غير مسمى. تشير الإحصائيات العالمية أن ما لا يقل عن ٨٪ من السكان تعاني من ألم عصبي المنشأ وما لا يقل عن ٥٪ يعانون من ألم عضلي ليفي. جميع الدراسات تشير إلى أن الألم المزمن أكثر انتشارا في النساء مقارنة بالرجال.
علاج الألم المزمن
يبدأ في عيادة طبية ويتنقل بين اختصاص وآخر. هناك العديد من مسكنات الألم التي لا يجهلها أي إنسان ولا تحتاج إلى وصفة طبية ويمكن شراءها من أي متجر صغير أو كبير. بعد ذلك هناك عقاقير مضادة للاكتئاب ومضادة للصرع وعقاقير موضعية تحتاج إلى أخصائي تخدير أو مفاصل أو جراح. ثم هناك دور المعالج الطبيعي والمعالج النفسي والعلاج الجمعي في أقسام طبية مختصة هذه الأيام بعلاج الألم. هذا الانتشار الواسع في معالجة الألم لا يعكس دوما تقدم الطب الحديث في علاجه وإنما فشلة في توفير الشفاء منه.
رحلة المريض من طبيب إلى آخر ومن اختصاص إلى آخر يؤدي إلى مشاعر عدائية نحو المؤسسة الطبية واتهامها بعدم المبالاة بشكوى الألم وفشلها في اكتشاف السبب وتوفير العلاج اللازم. يصل الشعور العدواني ذروته حين يقترح الطبيب أو المعالج ضرورة مراجعة قسم الطب النفسي للحصول على الرأي أولا وربما العلاج. هذا الشعور العدواني هو الذي يفسر أولا عدم الوصول الكثير منهم إلى قسم الطب النفسي وثانيا غياب حماس الطبيب النفسي في متابعة مثل هذه الحالات وخاصة أن ما يقدمه لا يختلف كثيرا عما يقدمه غيره من عقاقير وعلاج نفسي.
يحرص الطبيب النفسي على دراسة العوامل النفسية السلوكية ومساعدة المريض على التخلص منها عن طريق مواجهتها في البيئة التي يعيش فيها واستلام العلاج الطبنفسي الذي يستهدف الأعراض.
السلوك والأعراض | العلاج |
قلق الصحة Health Anxiety | علاج سلوكي معرفي |
الإسراف في عمل الفحوص الطبية | التوقف عنها أو عمل جدول زمني للمراجعات والتوقف عن تفحص الإنترنت |
السلوك التجنبي | التشجيع على المواجهة |
تضخيم الأعراض | علاج معرفي |
التفكير الكارثي | علاج معرفي |
سلوك مرضي غير طبيعي | علاج سلوكي معرفي |
معتقدات طبية خاطئة | الوعي الطبي |
عدم التوازن العاطفي | عقاقير علاج كلامي |
نمط الحياة | نصائح عامة |
صفات الشخصية | علاج كلامي |
مشاكل التعلق | علاج كلامي |
القلق المتعمم | عقاقير علاج كلامي |
اكتئاب | عقاقير علاج كلامي |
التعبير عن الألم
يثير اهتمام الطبيب النفسي أكثر مما يثير اهتمام طبيب التخدير والجراح وأخصائي المفاصل. يختلف هذا التعبير عن الألم من ثقافة إلى أخرى بالإضافة إلى الحالة الوجدانية للمريض وشعوره بالقلق من الألم ومصدره بالإضافة إلى مواجهة طبيب نفسي يسرف في تحليل سيرته الشخصية وحالته العقلية.
يحاول الطبيب النفسي هذه الأيام البحث عن أعراض الاكتئاب والقلق وعلاجها مشيرا إلى المريض بأن ذلك يساعد على تحمل الألم ويتحاشى تفسير ألم المريض بأنه جزء لا يتجزأ من اضطراب نفسي معرف ولذلك ترى الطبيب النفسي عاجزا عن وصف العلاج لأنه أقل خبرة من زملائه في مجال علاج الألم وأن اضطرابات الألم هذه الأيام بدأت تبتعد تدريجيا عن منظومة الاضطرابات النفسية.
فلسفة الطب النفسي في تحليل الألم مشتقة من معتقدات اجتماعية ودينية وتحليلية متعددة. الألم شديد العلاقة بالعقاب والطريق الذي يسلكه الإنسان للحصول على الغفران يساعده على تطهير روحه من خلال هذه المسيرة. حاول علم النفس الخوض في هذا المجال ورغم وجود بعض الدراسات الظريفة التي تشير إلى الإنسان المذنب والمشبع بالخطايا أكثر تحملا للألم من غيره ولكنها ضعيفة لدرجة لا تستحق الإشارة إليها وقلما تفسر لنا لماذا يصر البعض على ارتكاب الذنوب وعدم الشعور بآلام ضحيتهم.
مضادات الألم الأفيونية
أصبحت واسعة الاستعمال في الممارسة الطبية. تحفز هذه العقاقير مستقبلات خاصة في الدماغ تولد مفعولا قويا مضاد للألم يضاف إليه مفعولا مصاد للقلق والاكتئاب وكلاهما أعراض تصاحب الشعور بالألم ومن هنا تكمن شعبية هذه العقاقير المعروفة بتوليدها الشعور بالنشوة.
الأعراض التحويلية المثيرة نادرة إلى حد ما في هذه الأيام في الممارسة السريرية على عكس الشكوى من الألم. وصول المريض إلى مراكز الطب النفسي لا يمنعه من طلب العلاج للتخفيف من الألم وبالتالي يصل إلى مرحلة يستجيب الطب فيها لطلبه ويتم وصف مسكنات الألم الأفيونية. سوأ استعمال العقاقير تؤدي إلى حدوث التحمل لمفعولها Tolerance وقد يولد اعتماد بدني Physical Tolerance عليها وفي نهاية المطاف يتغير سلوك الإنسان ولا يبحث عن شيء في الحياة سوى الحصول على هذه العقاقير واستعمالها وهذا ما نسميه الإدمان Addiction. التحمل لمفعول العقار غير الاعتماد البدني والأخير غير الإدمان وكل ظاهرة لها شبكتها الخاصة بها في الدماغ. رغم ذلك فإن استعمال هذه العقاقير ولو لفترة وجيزة فقط يؤدي إلى الإدمان.
كان استعمال هذه العقاقير بسبب الظواهر أعلاه محصورا على الألم الحاد والجراحة ومرحلة نهاية الحياة ولكن استعمالها ارتفع بصورة ملحوظة منذ الثمانينيات من القرن الماضي بسبب الممارسة الطبية وتسويق العقاقير التجاري وبالتالي نرى بأن نسبة المرضى الذين يستلمون وصفات لهذه العقاقير ارتفع من ٣.٤٪ إلى ٧ ٪ ما بين ١٩٩٤ وعام ٢٠٠٦ وفي عام ٢٠١٢ تم وصف ٢٨٢ مليون وصفة طبية في الولايات المتحدة الأمريكية أي بمقدار علبة واحدة لكل مواطن. ونرى في نفس الحقبة الزمنية توفي أكثر من ١٦٥ ألف مريض بسبب جرعات عالية من هذه العقاقير التي تثبط التنفس. دفعت هذه الإحصائيات المؤسسات الطبية إلى الحد من استعمال هذه العقاقير في العامين الماضيين وانخفض استعمالها قليلا العام الماضي.
ولكن هذا الإسراف في استعمال هذه العقاقير لا يحدث في العالم الشرقي والعالم الثالث وهناك تطرف ملحوظ في منع استعمالها واستمرار معاناة المريض إلى درجة ينتحر فيها البعض للتخلص من الألم.
هل الشعور بالألم مرض واحد؟
هذا السؤال دفع الكثير من العلماء للبحث عن جينات خاصة بالألم. هناك اضطرابات طبية متعددة تشترك بعرض واحد وهو الألم ومنها القولون العصبي وألم عضلات ومفاصل وألم الحوض ومرض العين الجافة. عند مراجعة ٨ آلاف توائم يعانون من هذه الاضطرابات ظهر بأن هناك جينات مشتركة بين جميع هذه الاضطرابات وبأن العامل الوراثي والجينات تلعب دورها بمقدار ٧٠٪ مقارنة ب ٣٠٪ فقط من العوامل البيئية. ربما ستفتح هذه البحوث طريقا جديدا لتفسير الألم المزمن ونهاية تصنيفه ضمن الاضطرابات النفسية.
يبقى الألم المزمن تحديا لجميع الاختصاصات الطبية ولكن رغم جميع المشاكل التي تواجه الطب النفسي فإن اضطرابات الضائقة الجسدية والألم هي أمراض طبنفسية حتى يومنا هذا.
مصادر للقراءة والاطلاع
1- Christie M (2008): Cellular neuroadaptations to chronic opioids: tolerance, withdrawal and addiction. BMJ 154(2): 384 -396.
2- Lilly A, Schroder A, Rask M, Fink P et al (2015): Bodily Distress Syndrome: A new diagnosis for functional disorders in primary care? BMC Fam Pract. Online edition Dec 15.
3- Manchikanti L, Singh V, Datta S, Cohen SP, Hirsch JA (2009): Comprehensive review of epidemiology, scope, and impact of spinal pain). Pain Physician 12(4): 35 -70.
4- Massie M (2000): Pain What Psychiatrist Need to Know. Reviews in Psychiatry 19. American Psychiatric Association Inc. Washington DC.
واقرأ أيضًا:
الجنسانية الحديثة Neosexuality / الثناقطبي Bipolar / إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة / الطب العصبي النفسي