قصة أصحاب الكهف قصيرة وعميقة المضامين، ويمكن قراءتها وفقا لزوايا الاقتراب منها، ومن معانيها أنها تبرهن على طبيعة الحياة وتبدلاتها وتطورها، وتشير بقوة إلى وجوب المواكبة والمعاصرة، فأصحاب الكهف قد لبثوا في كهفهم مئة عام، وعندما استيقظوا ذهب أحدهم إلى لسوق فوجد كل شيء غير ما كان يعرفه، حتى النقود التي معه لا تصلح لشراء الطعام، فعاد مندهشا، وطواهم الكهف فماتوا أجمعين. وهذا يدل على أن الانقطاع عن الحياة وإغفال جريانها وتبدلاتها يكون قوة دافعة نحو الموت والانتهاء.
ونحن لبثنا لمئات السنين في كهوف الضلال والبهتان والجهل بالدين وبالقرآن، ولا نزال على حالنا الاندثاري الموشح بالانقطاع عن مفردات الزمان والمكان، فترانا نكتب بلغة الغابرين، ونردد أفكارهم ونتفاعل معهم وكأنهم أحياء بيننا، فنتبعهم ونتقيد برؤاهم وتصوراتهم التي أطلقوها منذ عشرات القرون، وهذا يعني أننا قد تفوقنا على أهل الكهف وما استيقظنا، لأن اليقظة في وعينا الجمعي تعني الإقرار بموتنا وعفونة أفكارنا واستنقاع ما فينا.
ومن علامات رقادنا أننا لا نتفاعل مع الحاضر ولا يعنينا البناء وصناعة الحياة الأفضل، وإنما نستلطف الخراب والدمار والهوان والتبعية للطامعين بافتراسنا وسرقتنا، وتحطيم كياننا وتمزيق هويتنا ونسف عروبتنا ومحق تأريخنا وإزهاق روح حضاراتنا. بينما الدرس الواضح الساطع المستخلص من قصة أصحاب الكهف يقول ببرهان مبين، أن علينا أن نكون في زماننا ونتواصل مع مكاننا بقدرات متجددة، وتطلعات اجتهادية تساهم في صياغة خارطة المستقبل الأسعد لنا ولأجيالنا المتوافدة.
ولهذا يجب إعادة النظر بأنفسنا وسلوكنا وآليات تفكيرنا، وتخليصها من آفات الرقاد والاندحار في ظلمات الأجداث، وأن نتعلم كيفيات التفاعل مع الشمس المنيرة، لكي نستمد ونستوعب طاقات التواجد الحيوي المضيئ المشعشع في أرجاء النفوس والقلوب والعقول.
فهل نحن فعلا أصحاب الكهف الذين رقدوا أبدا؟!!
بل قل أننا بإرادتنا سنكون !!
واقرأ أيضاً:
الأجنبي ربما يعرف القرآن أكثر من المسلم!! / تعاونوا مع حكوماتكم يا عرب!! / اضطراب الاستهتار بالقوة!! / الوحدة العربية الفاعلة فينا!!