تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي تسجيلات لخطب وأحاديث لوجوه معممة قد تكاثرت وتنوعت، وتعددت ألقابها وأوصافها، وتشترك في أنها ذات وجوه كالحة مكفهرة، وقد تلحت وتطررت، وتظاهرت بأنها تمثل الدين وتنطق بلسان عباده المقهورين المعدومين المحرومين، وأنها تهاجم الحكومة والكراسي، وكأنها مع الناس المسلوبين الحقوق، والمحكومين بالحرمان من الحاجات.
أرسلت ما وصلني لأحد الأخوة المطلعين على الأحوال ومن العارفين بسلوك العمائم، فأجابني بأنه "الدجل الفتان"، ولم أقتنع بما قاله، لأن المتحدث يبدو وكأنه فعلا يتكلم عما يختلج في أعماق الناس، ولكن بعد فترة وصلني تسجيل له وهو ينفث سمومه وأحقاده، وينطق بمفردات الكراهية والبغضاء، والدفاع المستميت عمّن يهاجمهم ويبرر ظلمهم وفحشهم وفسادهم، وقد اندلع ما فيه من مطمورات النفس الأمّارة بأسوأ من السوء.
ومعمم آخر يعجبك الاستماع لخطبه، التي تقول عنها بأنها لسان حال الناس الذين يقاسون شظف العيش، والعدوان عليهم وامتهانهم من قبل الكراسي الحاكمة بدين، ويمضي الأخ المعمم بلغته التحريضية وأفكاره التي تبدو هي البلسم الشافي من أوجاع التداعيات والقاسيات، النازلات على شعبٍ لا يعرف ما ذنبه أو جريرته، لكنه يواجه صنوف العذاب المادي والمعنوي.
وتحسب أنهم حقا يؤمنون بما يقولون، ويسعون لمساندة الشعب، لكنك تفاجأ بأنهم يعيشون في ثراء ويتنعمون بما يدره عليهم الفساد وما يساهمون فيه من إفساد، وتتعثر ألسنتهم فتكشف عن سرائرهم وأكاذيبهم وخداعاتهم وأضاليلهم.
وتقف متحيرا أمام هؤلاء المتاجرين بالدين، والذين يتخذون من الحق باطلا ومن الباطل حقا، والذين يكذبون ويخدعون الناس باسم الدين أو المذهب والطائفة، وغيرها من دواعي الدجل وتمرير المشاريع التي منها يكسبون.
إنهم أبواق خطيرة ممولة ومحمية وموجهة لتعزيز الفساد، وتخدير الناس وإخماد إرادتهم وتعطيل تطلعاتهم وتحويلهم إلى دمي، وضمهم إلى القطيع الذي به يتحكمون وبواسطته يفسدون ويغنمون، ومنه يأخذون وبكله يتاجرون، وما كلماتهم إلا للتشويش والتعمية والإهلاك الطوعي والتدمير الذاتي الانتحاري المهين.
وهم أكبر المجرمين بحق الإنسانية والوطن والدين، فهم أعداء البشرية والمنتهكون لحرمات الدين، الذي صار عندهم مطية لتمرير الرغبات وتبرير المفاسد والمظالم، وتسويغ الخطايا والتعبير عن الانتقامات والأحقاد.
إنها مصيبة مجتمعات مرهونة بعمائم الدجل والخداع والتضليل، ومعضلة دين صار مطية للحاقدين على الدين.
فهل من دين قويم يا أمة الصراط المستقيم؟!!
واقرأ أيضاً:
تعاونوا مع حكوماتكم يا عرب!! / اضطراب الاستهتار بالقوة!! / الوحدة العربية الفاعلة فينا!! / لبثوا ولبثنا!! / التآمر بالدين!! / العقل والاعتقال!!