وردتني قصة ظريفة لأحد الضحّاكين خلاصتها أن أمه كانت تقول له في طفولته عليك أن تأكل كل ما في الماعون لأن الناس في أفريقيا جائعون، ويقول مضيت آكل ما يقدم لي من طعام حتى وجدتني أعاني من فرط السمنة، وعندما كبرت تساءلت كيف كنت أساعدهم بأكل كل شيء؟! ويمضي مازحا لو ذهبت إلى أفريقيا وسألوني عن كرشي، لأجبتهم هذا بسببكم، لأنكم جائعون، وأنا أكلت عوضا عنكم!!
هذه القصة تنطبق على عدد من الأنظمة السياسية في الواقع الزاخر بالفقر والإملاق، وبآليات الحكم بالحرمان من الحاجات، والإمعان بالتجويع والاستلاب والامتهان الفتاك. فالذين يسمون أنفسهم ساسة، يستحوذون على لقمة العيش، ويتخمون بطونهم بالمأكولات الشهية لأكثر من ثلاث مرات في اليوم، ولا يتعبون من دحي الملاين تلو الملاين في حساباتهم المصرفية في الدول الأجنبية وبأسماء وهمية، ولا يشبعون من شراء أو أخذ العقارات والممتلكات، والعمل بانفلات وبغير حساب.
فتراهم يركبون السيارات الفارهات وابن الشعب يفكر بتعريفة سيارة أجرة إن توفرت، ويسكنون القصور الشاهقات، والمواطن يعيش في صرائف وعشوائيات، ويتطبون في مستشفيات الدنيا الراقية والمواطن يذهب إلى ما يسمى بالمستشفيات، وهي لا تصلح للعلاج وفقا لتوصيفات ومعايير المجتمعات المتقدمة.
أناس يجلسون على كراسي التسلط على مصير الشعب، وينهبون ويسرقون ويسلبون ويفسدون ويستأثرون، ويقولون بأن ما يقومون به من أجل الشعب، وما يحوفونه رزق من ربهم الكريم الذي فضلهم على الشعب، ورَزقهم من حيث لا يحتسبون، فلماذا يحسدهم الشعب على نعمة ربهم الذي يعبدون؟!
تلك حقيقة مرعبة في المجتمعات المفجوعة بأنظمة الحكم التابعة، والمأسورة والمحمية بالأسياد وبذوي القدرة على تقرير مصيرهم، فالكرسي سيارة أجرة تنقل الجالس عليه من مكان إلى آخر، وفقا للخارطة المنصوص عليها في مرشد المسير المتحكم بوجهة الكرسي، والقاضي بمغادرة صاحبه له عندما يصل إلى المكان المرغوب، ليركبه غيره فيأخذه إلى حيث المرسوم والمقسوم.
ولهذا تجد الناس تعاني وتقاسي وتتلظى، والحاكمين بأمر أسيادهم في أنسهم وترفهم وشهواتهم يعمهون، ولا يستطيع الجياع الاقتراب من موائد المتخمين، بل أنهم يتحولون إلى حماة أمناء لهم، لكي يغنموا ببعض فتات يسدون به رمق جوعهم الشديد، فينجم عن ذلك أن الجياع تتحكم بالجياع، والأثرياء في قصورهم العاجية ومواقعهم الاستحواذية، يصلون ويسبحون لربهم الغداق الكريم، الذي أنعم عليهم بسخاء عظيم.
فهل سيصحو البشر ليستيقظ فيهم الإنسان؟!!
واقرأ أيضاً:
لبثوا ولبثنا!! / التآمر بالدين!! / العقل والاعتقال!! / النفاق المعمم!! / التأخر مذهبنا!! / هل أن العرب أجهل المسلمين بالإسلام!! / عزيز عليه ما عَنِتُّم !!