إنها سلوك غريزة الموت الفاعلة في أعماق المخلوقات الحية، وقد تبدو غير واعية أو مدركة لها، لكنها تسري كالتيار الكهربائي في كيانها، وتتجسد بقوة ووضوح عند البشر الذي يؤسس واقعها ويبتكر آلياتها ومهاراتها، ومبرراتها الفكرية والنفسية والعقائدية اللازمة لتحقيقها، وبقوة وضراوة تتناسب طرديا مع قيمة الدوافع وتسويغها للوصول إليها.
وبعض المجتمعات تترجم آليات هذه العاهة المريرة وتجسدها بوعيها ومعتقدها ورؤيتها وتصورها وما تذهب إليه وتكون عليه. وهذه المجتمعات يخيم على وجودها السوداوية والعدمية والإقرار بفقدان قيمة الحياة، وتجريد الدنيا من أي معنى وأثر.
فكل ما في الدنيا هباء ولا داعي للجد والاجتهاد، ما دمنا سنموت ولن يبقى شيئا فوق التراب، وأن الحياة في الموت وما نحن إلا ضيوف نسعى فوق التراب وقرارنا فيه. وتأتي المعتقدات لتأكيد أهمية إفناء الدنيا والتحرر منها وعدم الاكتراث بها، وتحشيد الطاقات والقدرات للحياة في الموت.
أي أنها تدعو إلى كينونة موتية في ميادين الأحياء، مما يتسبب بسلوكيات عقيمة ذات قدرات إهلاكية عالية ووخيمة الخسران، فيترتب عليها وجيع مقيم، وقهر وظلم وذل وهوان ومقاساة شرسة، وحرمان وامتهان.
وكل هذه الحالات المريرة تعززها تصريحات وفتاوى وخطابات من المدعين بعقيدة ودين، فيدعون الناس إلى الصبر والتحمل والتلذذ العذاب والحرمان ليغنموا سعادة الموت، وما بعده من اللذائذ والرغبات التي عليهم أن يُحرموا منها في الدنيا. ولذلك تجدنا أمام سلوكيات معبأة بالموت وكراهية الحياة والعدوان عليها والانتقام منها، وكأن البشر عليه أن لا يأتي إليها لأنها دار رحيل والإقامة الحقيقية في الموت الأبيد.
وهذا المنطوق الفكري والعقائدي المتصل بسلوكيات متنوعة تجسده، يتسبب بديمومة الصراعات والحروب والنزاعات والصولات التدميرية التخريبية، الهادفة إلى الفوز بالموت والانتقام من الحياة. وما أكثر التعبيرات عن العاهة الموتية في مرابعنا المبتلاة بتصوراتنا البهتانية، المؤدية إلى التكسيح والتعويق وإخراج المجتمعات من دائرة عصرها، وتحويل مكانها إلى خراب.
فهل من صحوة من الموت الذي نعانيه، وهل من حب حياة نترجمه بصدق الجد والاجتهاد في العمل؟!!
واقرأ أيضاً:
نبيّ التفاؤل والأمل!! / الإسلام بين الإسهاب والإطناب!! / اللغة العربية سهلة وجميلة!! / الترويج المقالاتي الخطير!!