"أراه طريق الصواب: عرّفه به وأطلعه عليه، جعله ينظر إليه"
رأى: أبصر بالعين
ولرأى معانٍ متنوعة ومستفيضة وفقا لما يُراد منها.
ترى هل نبصر بعيوننا ما حولنا، أم ترانا نرى غير ذلك، ونتوهم بأننا نرى؟
لا أريد للقلم أن يتفلسف ويتعمق، لكنها ظاهرة سلوكية تتسبب بمواقف وتفاعلات خطيرة ينجم عنها تطورات وتداعيات مريرة. فالبشر في معظم ما يعبر عنه لا يتفق مع المشهد الذي حوله، وإنما يتوافق مع ما فيه من تصورات وصور ذهنية وأحكام مسبقة، تضع غشاوة سميكة على عيونه فلا يرى الأشياء كما هي بل كما تبدو له، وقد لا يتفق اثنان على ما يشاهدانه رغم تقارب التوصيف، لكن الذي رأى غير الذي رأى، وما هو الذي رأى، فأين هو الذي رأى؟!!
فعلى سبيل المثال، لا يمكن رؤية الجالس على الكرسي السلطوي كما هو، بل مقرونا بذلك الكرسي بكل ما يضفيه ويمليه من اعتبارات ومواصفات وأوهام وتصورات وغيرها من المميزات، فالشخص نفسه يمكن رؤيته بصور متنوعة وفقا للموضع الذي هو فيه.
فلو جلس عالم حاذق على قارعة الطريق وبدا كمتسولٍ، فإننا نراه كذلك ولا نراه كعالم، وهو نفسه لو وجدناه في قاعة محاضرات يلقي على الطلبة علمه، لتلقيناه بحالة أخرى.
وهذه المشكلة تجعل الناس ينخدعون ويتوهمون ويفعلون ما لا يتفق ومصالحهم، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمسؤولين والحكام والمتسلطين على الناس، فإن الدماغ البشري يستقبلهم على هيئات وكينونات خارجة عنهم، وبسبب ذلك يتحقق سلوك التقديس والتأليه والتعظيم، وعدم القدرة على احتسابهم من البشر بل البعض يراهم فوق البشر، وذلك واضح في الحضارات القديمة التي كان الملوك فيها آلهة ولهم معابد، وصاروا بعد ذلك أنصاف آلهة ومن ثم يحكمون باسم الآلهة، ولا تزال الحالة كما هي حتى يومنا هذا وإن اقتربنا منها بشيء من التردد والخجل، لكن الواضح أن الكثير من البشر الذي يتظاهر بمظاهر الدين ويحوز على مواقع ومسؤولية يراه الناس في كينونة أخرى غير بشرية، أو فوق بشرية.
ولذلك فإن الطغاة يزدادون طغيانا، والدجالون يمعنون بدجلهم، وقس على ذلك ما يقوم به البشر من سلوكيات، خارجة عن منفعة البشر.
وتلك مصيبة سلوكية وعاهة نفسية فائقة التعقيد وعصية على الشفاء، وربما تكون من ضرورات التواصل مع الحياة!!
واقرأ أيضاً:
نبيّ التفاؤل والأمل!! / الإسلام بين الإسهاب والإطناب!! / اللغة العربية سهلة وجميلة!! / الترويج المقالاتي الخطير!! / العاهة الموتية!!