مما أغفله المفكرون العرب على مدى العقود يتصل بآليات ترجمة الأفكار إلى كينونات مادية أو عملية تعبر عنها وتُفاعلها مع الحياة، فالعرب لديهم خزين فائض من الأفكار لكنهم يفتقدون قدرات تصنيع أفكارهم، ولهذا تراهم يتدحرجون في متاهات القول الباهت الخالي من التأثير الإيجابي والبناء الحضاري. ولو راجعنا كتابات المفكرين على مدى القرن العشرين لوجدنا فيها إشارات متواصلة عن النظرية والتطبيق والتراث والمعاصرة، وغيرها من المصطلحات والتصورات الخاوية الخالية من نسغ الحياة والقدرة على التبرعم فيها والارتقاء.
فالأحزاب العربية وبلا استثناء، وكذلك الثورات فشلت في بناء الحالة المعاصرة المتواكبة مع زمانها ومكانها، فحلقت في فنتازيا الشعارات وأجيج الانفعالات وثورات الحماس الفارغة، لعدم تمكنها من تحقيق أفكارها ونظرياتها وترجمتها إلى مناهج عمل وابتكار، كما فعلت أحزاب وثورات الدنيا.
وبسب هذا العجز أو الخوف الناجم عن الشعور بالانكسارية والدونية والانتكاسية، فإن العربي لا يمكنه أن يتصور بأنه يستطيع أن يُصنّع فكرة ويحولها إلى موجود مادي في الواقع الذي هو فيه، وكأنه يجهل بأن البضائع التي تزدحم بها الأسواق ما هي إلا أفكار أفراد استطاعوا تصنيعها وتسويقها، بل إن أمهات الشركات العالمية عبارة عن أفكار أفراد واظبوا على تطويرها وتصنيعها.
هذه ظاهرة تدميرية تفتك بالواقع العربي، وتدفع بالأجيال إلى التفكير بالماضي والاندحار بالدين، والتعمق بما قال فلان وذكر إعلان للهروب من المواجهة الحضارية الحقيقية، التي على الأجيال أن تتواصل معها بروح واثقة وإرادة ابتكارية، وعقول مؤمنة بالقدرة على صناعة الحياة.
فما ينقص العرب ليس الأفكار، بل مهارات تصنيع الأفكار وتحويلها إلى موجودات ذات قيمة حياتية واقتصادية نافعة للناس. ولهذا فإن الواجب الأكبر الذي يقع على عاتق التعليم ومنذ رياض الأطفال هو التركيز على تعليم آليات ومهارات التصنيع، أو التعبير عن الأفكار بالوسائل المتاحة للطالب. وعليه فإن العلاج الشافي يكون بأعمال العقول وتحفيزها على امتلاك قدرات التصنيع، فالحاجة أم الاختراع في مجتمعات الدنيا كافة، إلا مجتمعات بلاد العُرب أوطاني!!
فهل من إرادة أصنع؟!!
و"إذا الشعب يوما أراد الحياة... فلابد أن تستحيلَ الفِكَر"!!
تستحيل: من الاستحالة أي تتحول وتتغير وتتطور وتنمو حتى النضج.
واقرأ أيضاً:
نبيّ التفاؤل والأمل!! / الإسلام بين الإسهاب والإطناب!! / اللغة العربية سهلة وجميلة!! / الترويج المقالاتي الخطير!! / العاهة الموتية!! / أغمض عينيك حتى تراني!!