ما يتم تسويقه في بلاد العرب والمسلمين أن الدين هو السبب فيما يتحقق من البلايا والرزايا والتداعيات القاسيات التي تعصف فيهما، حتى لصارت اللعبة راسخة ومتكررة، والحالة تُطرح بصيغ تساؤلات خلاصتها لماذا هذه البلدان تعيش الصراعات والويلات وبلاد الدنيا المتقدمة في أمن وأمان ورفاهية ورقي وسعادة ورخاء.
وتنطلي على العارفين بالدين هذه اللعبة، أو ربما تغذي مطامحهم وأهواءهم ورؤاهم فتجدهم يلقون الخطب التبريرية التعسفية التي تبحث عن جواب هو أقبح من السؤال، وتوهم العرب والمسلمين، بأن السبب هو الابتعاد عن الدين، وكأن الدول المتقدمة بمجتمعاتها غارقة بالدين، وملتزمة به وتؤديه على أكمل وجه، والعرب والمسلمون المساكين في إهمال لدينهم وابتعاد عنه وجهل له.
وهذه لعبة مكيدة مكينة ابتدأت منذ القرن التاسع عشر وتطورت وتعاظمت وتنوعت أدواتها وأساليبها، ولا يزال العرب والمسلمون يتراقصون كالمغفلين في ميادينها وعلى رقعها المتنوعة الألوان والأوصاف، وقد انطلقت اللعبة بطرح شعار "الإسلام هو الحل"، وكأن العرب والمسلمين لا يعرفون الإسلام ولا يمتون بصلة إليه، وعليهم أن يعودوا إلى الدين وفقا لما يُراد له أن يعمل ويكون، أي أن يمارسوا الدين المستورد الذي يحقق مصالح الطامعين بهم أجمعين.
والمشكلة أن العرب والمسلمين تسودهم السذاجة المقيتة الناجمة عن مشاعر الدونية، والإحساس بأنهم لا يمكنهم اللحاق بالمجتمعات المتقدمة، وهذه أيضا لعبة راسخة في الرؤوس والنفوس، وكأن الآخرين من أجناس أخرى والعربَ والمسلمين ليسوا من بني الإنسان.
إنها مفاهيم مغرضة ومهمة لإدامة اللعبة بأشواطها ومواسمها، ولها جمهورها ومتعهديها ومسوقيها الناطقين باسمها، والمروجين لمفاهيمها، وحولها طوابير متعاظمة من المعممين والملتحين الرافعين راياتها وأعلامها، والمستفيدين من تجارتها الخبيثة.
والحقيقة الغائبة أن الدين لا ناقة له ولا جمل بالواقع الذي أصاب العرب والمسلمين، وأن المشكلة تكمن في فقدان المناهج السياسية الوطنية المعاصرة القادرة على نشر التعليم والثقافة والتفكير العلمي والتكنولوجي، والتشجيع على خوض عباب التصنيع والعمل الإنتاجي الجاد المجتهد، والاهتمام بالزراعة والثروة الحيوانية والبناء والعمران والمواصلات والرعاية الصحية والمشاريع الخدمية والترفيهية، وحث المواطنين على المشاركة في البناء الاقتصادي النافع للوطن والمواطنين.
وهذا الفقدان هو السبب الرئيسي لما أصاب العرب والمسلمين من تراجعات وخسارات واضطرابات وتشوشات وفقدان بصيرة وضعف إيمان. فالدين دين والعمل والاجتهاد هما العنوان!!
فاعملوا واعملوا وارفعوا البنيان، وعندها ستعرفون ما معنى الأديان؟!!
واقرأ أيضاً:
العقل السليم في النُطق السليم!! / الحاجة ضد الاختراع!! / البلدية والمدينة!! / كليات وأمنيات!! / قافلة أكون!! / الخيالية!!