يصدقون ما يسمعون ويقرأون ويترنحون بين ما يتوارد إليهم من معلومات وأخبار، ولا يعملون العقل بالخبر ولا يتساءلون أو يمحصون ويقيّمون ويتعقلون، وبهذا يساهمون في تشغيل ماكينة الاضطراب والتدويخ والتسقيط والتصيّد والاستحواذ على الناس وأخذهم إلى حيث الذي يريد. ولا يُعرف لماذا أصبح البشر في عصرنا التواصلي أكثر إذعانا وقبولا لما يتوارد إليه ويغزوه من الصور والكلمات والأفلام، حتى لتحسبه قد غادر معاقل العقل وانضوى في مسارات الانفعال والاغتراب عن جوهر الحياة.
هل إن وسائل التواصل يتم استخدامها وفقا لآليات نفسية وسلوكية خبيرة ومتمكنة من السيطرة على العقول، وتأجيج معادلات النفوس وتفعيلها لتكون ذات تأثيرات سائدة ومتسلطة على السلوك البشري، وأخذه إلى ما لا يتفق ومصالحه ومعالم إرادته.
هل أن البشر لا يمتلك الخلفية الثقافية والإدراكية والتعبيرية اللازمة للتقييم والتحليل والتقدير، وعدم الخضوع لما ينسكب في وعيه ونفسه من الحالات والتواصلات المتدفقة، وكأنها التيار العارم المتوثب نحو غاية ما.
البعض يرى أن المجتمعات تعيش حالة إدمان على الإنترنت بما فيها من مغريات تواصلية ومحفزات واستدراجات متنوعة، والمدمن على الشيء يتنازل عن عقله ويمعن أو يسرف في تكرار الفعل الإدماني دون توقف أو إبطاء.
وهناك أسباب كثيرة، لكن السبب الأكبر يتلخص في ضعف الحصانة والتربية الفكرية والثقافية والعاطفية لدى بعض المجتمعات، التي لا تعرف كيف تؤهل أجيالها لتوظيف العقل والاستثمار في التفكير العلمي، وأهمية الاقتراب العلمي الصحيح من التحديات والمواجهات وما يتوافد من أخبار وموضوعات.
وتبدو مواقع التواصل الاجتماعي كالمصيدات التي لا يستطيع الساقط في شباكها من التحرر من قبضتها وتأثيراتها عليه، وخصوصا ما ترفده به من دوافع سلبية، ويا ليتها تكون ذات تأثير إيجابي بنّاء يساهم في الإصلاح والتوجيه السلوكي السليم.
وفي بحوث متنوعة هناك إشارة إلى قصر مدة الانتباه، وتنامي العنف، وتسهيل الجريمة، وتقليل ساعات النوم، وبروز ظاهرة الإدمان على الإنترنت، ومن إيجابياتها احتمال زيادة درجات الذكاء، والتفاعل بين الثقافات، والتعليم الذي أصبح متيسرا على شبكاتها.
ومع ما تقدم من تقييم واقتراب، فإن المجتمعات مطالبة بتفعيل العقل وتحفيزه، لكي يكون قادرا على الإبحار في متاهات الإنترنت المتدفقة بالمعلومات.
فهل أن الأدمغة البشرية في وادٍ ومبتكرات بعض أبنائها في وادٍ آخر؟!!
واقرأ أيضاً:
الخيالية!! / لعبة الدين والبلاء!! / الإنسان بين الحقوق والعقوق!! / السلطة واضطراب السلوك!! / مفهوم الأخلاق!! / ألف دينٍ وكرسي!!