هناك فرق كبير بين القائد في الكرسي والقاعد على الكرسي، والمجتمعات المتقدمة المتفاعلة بمعاصرة مع مكانها وزمانها ومتطلعة بثقة نحو مستقبلها، تؤهل القادة الأكفاء ليكونوا في الكراسي، والمجتمعات المتأخرة المتدحرجة إلى الوراء، يتكاثر فيها القاعدين على الكراسي.
والكرسي يعني المسؤولية أيا كانت درجاتها، من أصغر دائرة إلى أكبرها، والمسؤولية مقرونة بالقيادة، والحياة لا تحقق أهدافها من غير قادة. ومشكلة مجتمعاتنا تتلخص بأزمة القيادة، وخلوها من برامج إعداد القادة وتأهيلهم لتحمل أعباء المسؤوليات الوطنية، فالسائد أن القاعد على الكرسي وفقا للإرادة المُسيطرة على الحكم، أو بالمحسوبية والفئوية والتحاصصية وغيرها، يتوهم بأنه قائد وهو لا يصلح لرعي بضعة أغنام في مراعي الأيام. فالقيادة فن وعلم وخبرات وتجارب وإنجازات ومعارف وتطلعات ومواهب وإمكانيات توظيفية للطاقات البشرية، وقدرات على أخذ نهر الأجيال إلى مسارات إروائية ذات عطاءات عالية ومتميزة.
ومن المعروف أن الصين تنتهج أسلوبا عمليا في التدرج القيادي يستند على مقاييس إنجازية، تؤهل الشخص للارتقاء والوصول إلى ما تمكنه قدراته البرهانية من درجات ومواقع قيادية في الدولة والمجتمع، أي أن المعايير الكفاءة والقابلية والمواهب والخبرات دورها الأكبر في تقرير الموقع القيادي. ولهذا فإن المجتمع الصيني من أكثر مجتمعات الدنيا إبداعا وإنتاجا واستقرار وانسجاما وتفاعلا مع المستجدات القائمة في الحياة.
وفي مجتمعاتنا، يزداد عدد القاعدين على الكراسي، وكأنهم الماكثون المُقعدون الذين لا يمتلكون أبسط عناصر القيادة ومؤهلاتها ومتطلباتها، مما يجعلهم انفعاليين ومضطربين ومتهورين، ويتخذون الأساليب البدائية الخائبة وسائل للقبض على أنفاس الناس وإذلالهم وإهانتهم ومصادرة حقوقهم، فتراهم يتحركون في المجتمع وكأنهم الوحوش السابغة الشرسة، ومن حولهم مجاميع من الذئاب المذؤوبة والكلاب المسعورة التي تفترس الذين يطالبون بحق، أو يوجهون نقدا ويبوحون برأي.
وعلى هذا المنوال تمضي التفاعلات التدميرية والتخريبية، ويُصاب الناس باضطرابات سلوكية، وتهيمن عليهم الإذعانية، ويهربون للتبعية والفئوية والقبلية والعشائرية، ويتبدل القاعدون على الكراسي، ولا تجد قائدا في الكرسي.
وعليه فالمطلوب أن تضع قادة في الكراسي، لكي يتحقق البناء والتقدم والأمن والأمان، وتنطلق الطاقات وتتأكد القدرات، ويتمتع الناس بحقوقهم الإنسانية، ويساهمون ببناء وتقدم مدنهم وتطور مجتمعهم.
فاطردوا القاعدين على الكراسي، واستحضروا قادة في الكراسي لكي تُصنَع الحياة!!
*القاعد: الجالس، والقاعد عن الأمر: مَن لا يهتم به، أو يتراخى في إنجازه.
واقرأ أيضاً:
الكلام الخائب والصائب!! / الإرادة العربية الغائبة والإرادة الدولية الحاضرة!! / الأنظمة الوطنية المجهولة!! / القيادة والإرادة!! / العربية أغنى اللغات!!