أرض الله الواسعة لم يكن فيها دول ولا أوطان، وإنما مجتمعات بشرية تكاثرت وتوزعت في ربوعها، وأسست لوجودها الكياني الاجتماعي، وتوطنت بقعة ما والتزمتها أو وضعت يدها عليها باللزمة، كما تفعل الأسود والقرود وباقي الحيوانات، التي تتخذ لها أذوادا ومواضع للعيش والبقاء.
وأوطان الأرض ودولها وبلا استثناء تأسست وفقا لإرادات بشرية صرفة، فلم تكن موجودة قبل وجود الإرادة الجماعية المتفاعلة، وهي خيارات عملت على تأكيدها مجموعات بشرية وجدت أن مصالحها المشتركة تقتضي أن يكون لها كيان وطني، ودولة ذات حدود تحميها وتحافظ عليها وتصونها.
فالدولة أو الوطن كالبيت الذي يحمي مَن فيه، ولا يُعرف لماذا تثار ألف علامة استفهام حول تأسيس وإنشاء الدول العربية، وكأنها ليست كذلك ولا هي بأوطان. فالعلة ليست في الدول والأوطان، وإنما في العمل المتواصل على تغييب الإرادة الوطنية وتفتيتها، وتحويل البشر إلى مجاميع وفئات تعادي بعضها وتسعى لمحق وجودها، ومصادرة هويتها الجامعة وبذلك تنتفي الحاجة لدولة ووطن، ويكون التهجير مصيرها والتيهان في مجتمعات الدنيا نهايتها، لتصل إلى حيث يتحقق التذويب والانتفاء الصارم.
ويبدو أن هذه السياسية التي تهدف لخلع مفهوم الوطن والدولة من وعي الناس، هي التي يتم تسويقها لكي يتحقق مصادرة البشر وما يمت بصلة إليهم من الحضارة والتراث والثروات، لأن وطنهم ليس بوطن ودولتهم ليست بدولة، وأنهم فئات ومجاميع بلا عرين أو عش يكفل لهم العيش والبقاء والنماء. وتلك حرب رهيبة يتأكد شنها على العرب وبواسطة العرب أنفسهم، الذين يتوهمون بأنهم يفكرون ويكتبون ويبدعون، وما هم إلا يصوبون فوهات أقلامهم نحو ذاتهم وموضوعهم، وكأنهم في غياهب الضلال والتبهيم يتفيئون.
فلابد من وعي حقيقة الدولة والوطن، والعمل على تأكيد أهميتهما ودورهما في الحفاظ على القوة والحياة الحرة العزيزة الصالحة.
فلماذا ننفي وجود دولنا وأوطاننا، وما تساءلنا كيف أقيمت الدول والأوطان الأخرى؟
وهل من يقظة ووعي وطني وإدراك مصيري؟!!
واقرأ أيضاً:
الدين بين اللسان والقلب والسلوك!! / ومن العرب أبواق آكليهم!! / الرأي رأيهم؟!! / عجائب الاعتقاد!! / خريف الأغصان العربية !!