آلية التناسي من أساليب الحروب النفسية القاسية التي بموجبها يتم التغاضي عن جرائم فظيعة، والقيام بجرائم أفظع منها تطغى عليها وتمحوها.
ومن الواضح أن الحرب العراقية الإيرانية قد تم التعتيم عليها بالنسيان، وما تلاها من حروب طغت عليها وتسيّدت، وارتكبت فيها جرائم بشعة تواصل عرضها في وسائل الإعلام. وهذه السياسة الإعلامية قد انطلت على الإعلام العربي الذي يبدو في معظمه مؤدلج، وتتحكم به قوى تفرض إرادتها على نشاطاته، فلا يمكنه أن يكون حرا، وإنما عليه أن يمارس التبعية والخنوعية، وتبرير الجرائم والآثام المرتكبة بحق المجتمعات العربية.
فالإعلام العربي لم يكن بمستوى الأحداث والتفاعلات الحاصلة في الواقع، وهو عبارة عن صدى لمراكز الإعلام العالمية، التي تريد ما يمكن توظيفه لتحقيق المصالح وإنجاز المشاريع، وتجده يركض لاهثا وراء تلك المراكز الإعلامية الخبيرة في تكوين الآراء وبرمجة العقول. فالإعلام من أخطر الوسائل والتطورات التي تتحكم بالسلوك البشري، وهو الذي يقرر مصير الأفراد والجماعات والدول والمجتمعات ويقضي على الأمم والإمبراطوريات، الإعلام أكبر قوة معاصرة تهيمن على الوجود البشري في كل مكان.
وفي واقعنا العربي هناك تأثير واضح للإعلام الذي يضلل ويكذب ويتاجر ويمتهن ولا يعرف الحرية ولا يريد الحقيقة، وإنما هو إعلام تسويقي مضطرب ممول وكل محطة إعلامية تغني على ليلاها، فعلى سبيل المثال، لو ترقبت محطتين عربيتين تابعتين لنظامين مختلفين، ليتبين لك قلب الحقائق وتسويق الأكاذيب وتمرير الأعاجيب، وإسنادها من قبل العديد من المأجورين الذين يعتاشون على التصريح بما يضلل ويدين ويخرب، ويمرر المشاريع والبرامج القاضية بافتراس الإنسان العربي.
ولو تأملنا كم من الحالات المروعة المثيرة يتم تهوينها والتقليل من أهميتها وعدم الإشارة إليها، وإنما حتى لو ذكرت توضع في خانات وتوصيفات تجرمها وتبرر ما حل بها، وقد تم التعتيم الفظيع على أوجاع المجتمعات العربية في العراق واليمن وسوريا وليبيا والسودان، وغيرها من الدول المنكوبة بالتجاهل الإعلامي لمعاناة مواطنيها.
وفي بلاد العُرب أوطاني صارت المحطات الإعلامية بأنواعها بالمئات، والنسبة العظمى منها ذات أجندات وأهداف وغايات غير عربية، أي أنها تسعى لخدمة المصالح الأجنبية، فلا يلومن العرب إلا أنفسهم، وإلا لما وصل بهم الحال إلى أن يكون البشر العربي أرقاما بلا قيمة، والبشر الآخر إنسانا قيمته لا تقدر بثمن.
فهل من إعلام صادق حر نزيه لكي يكون العرب، ويتحقق جوهر أمتهم المنكوب بهم؟!!
واقرأ أيضاً:
طالبوا أنفسكم أولا يا عرب!! / أموال مهدورة وعقول مكدورة!! / السودان والبركان!! / أين " الله أعلم"؟!! / هل أن الأمة في أرذل العمر؟!! / أقلام للإيجار!!