الروادع: الزواجر التي فيها عِبَر.
زاجر: مانع، مُعاقب.
هل إن البشر بحاجة لقوة رادعة لكي يتقيد سلوكه بضوابط ومعايير وأخلاقيات وقيم ومنطلقات ذات نسبة معقولة من الخير والفضيلة؟!
يبدو أن الجواب بنعم هو الأنسب، فالبشر مخلوق مفلوت الرغبات ومطلوق النزعات، وتتسيد عليه النفس الأمّارة بما هو سيء ومشين، وتستعبد العقل وتضعفه وتسجنه في قبضة دوافعها المحمومة وتطلعاتها المسعورة التي لا يرضيها ولا يشبعها ما تناله من بغية وتستحوذ عليه من أطماع لأنها متنامية متطورة ولا تعرف التوقف والاقتناع.
ولهذا ابتدأت البشرية رحلتها الطويلة مع الروادع الجمعية والدينية والقانونية والقسرية وغيرها من الروادع التي تنوعت وتعددت، لكنها لم تنجح في كبح جماح السلوك البشري إلا بدرجات متفاوتة، وفي الكثير من الحالات يتم الالتفاف عليها لتسويغ السلوك البشري المنحرف والمحفوف بالشرور والتفاعلات السيئة، فينقلب بموجب ذلك الشر خيرا والخير شرا، والباطل حقا.
وقد عانت البشرية من الذين تحرروا من أي نوع من أنواع الروادع، وخصوصا الذين يتسنمون السلطات في المجتمعات التي تتعبد في محاريب الفردية والفئوية والتحزبية، وعندها تجدها أمام شخص مفلوت الرغبات وجامح التطلعات ولا يعنيه إلا أن يلتهم ما يشاء ولا يشبع ولا يهدأ ولا يقنع، بل يزداد جشعا وظلما وقسوة وأوهاما وقدرة على الاستثمار بالبلاء، واعتبار الخلق من حوله أرقام لا قيمة لها وما عليه إلا أن يطرحها ويقسمها على بعضها أو يمحقها، لأنه السيد المطلق المطاع، وهو المقياس لكل معيار، وهو الذي لا أحد سواه!!
وبهذه الآلية تقضي الشعوب على وجودها وتنتحر أجيالا بأجيال، لأنه قد أوجدت من بينها من أهلته لامتهانها والتنكيل بها، وحررته من كل رادع أو مساءلة، ووضعته فوق كل شيء وجعلته هو كل شيء.
والروادع أخلاقيات ومهايير سلوكية توصل إليها البشر للحفاظ على كياناته الاجتماعية والإنسانية والوطنية القائمة التي توفر له قدرات الحفاظ على مصالحه وسلامة العيش الآمن في بقعة ما من الأرض بعد أن توفرت فيها مقومات العيش الكريم.
فالحلال والحرام طرفي معادلة ردعية توضح معالم السلوك البشري في أي مجتمع من المجتمعات، والديانات والعقائد مافة لديها هذه المعادلة الأخلاقية الرادعة التي تجعل من الفرد قوة تقرر المنحى الذي يميل إليه في سلوكه.
والرادع الديني من أقوى الروادع التي تحافظ على سلامة الحياة في المجتمعات، ويليه الرادع القانوني الذي يكون مرهونا بالعقوبات والنتائج المتناسبة مع الخروقات السلوكية للقيم والأخلاق والمعايير الوضعية.
ويبدو أن الروادع الدينية قد أصابها الضعف مع تكاثر البشر وتنوع متطلبات الحياة، فما عاد للدين قيمة ودور في ضبط السلوك البشري، ومعظم الديانات تحولت إلى طقوس تعبدية وحسب، ولهذا طغى الردع القانوني الذي ما أن يضعف حتى يعم الفساد والاضطراب في المجتمعات التي أصبحت لا ضابط يحكمها غير الرادع القانوني الشديد.
وهذا يتسبب بخسائر متنوعة، لأن الرادع الديني هو الأمثل والأقل كلفة والأنسب للحفاظ على سلامة التفاعلات البشرية، وبضعفه ستتكلف البشرية المزيد من الخسائر وستنحدر إلى هاوية الحروب المريرة اللازمة لإعادة بوصلة القيم والأخلاق إلى سكتها التي على البشر أن يمضي عليها ويستوعبها ويتمثلها، ويؤمن بضرورتها لبقائه الأمين!!
فهل أن الروادع الدينية هي التي يجب أن تسود لكي يعرف البشر قيمة الحياة؟!!
واقرأ أيضاً:
أموال مهدورة وعقول مكدورة!! / السودان والبركان!! / أين " الله أعلم"؟!! / هل أن الأمة في أرذل العمر؟!! / أقلام للإيجار!! / التناسي هو العدوان!!