السياسة علم وفن وحيلة، وجوهرها ابتكار الوسائل والدروب المحققة للمصلحة، وهي سلوك فردي وجماعي، تنتفي فيه المعايير والقيم والأخلاق مهما توهمنا بأن السياسة ذات أخلاق، ذلك أن المصلحة يمكن تبرير الوصول إليها مهما كانت القيم والأخلاق عريقة وعظيمة، وهذا يفسر أن جميع العقائد في تأريخ البشرية ارتكبت الخطايا والآثام باسم ما فيها من المعايير السامية.
والسياسة لعبة شطرنج بحتة، تتحول الموجودات بتفاعلاتها إلى بيادق تتحرك وفقا لخطة محكمة وآلية هجومية ودفاعية تهدف للوصول إلى غايتها، التي تحسم اللعبة بالنصر لأحد الأطراف والهزيمة للآخر. والذي لا يعرف لعبة الشطرنج جيدا لا يمكنه أن يكون سياسيا ماهرا، ولهذا فإن من ضرورات السياسة الناجحة وعي قوانين وقواعد لعبة الشطرنج.
ذلك أن الحركات والأحداث والتطورات تنشأ لسبب مرئي وآخر محجوب، ولا توجد حالة أو حدث دون خطة مرسومة وتطورات محسوبة وغنائم انتصارية مقدّرة، ولكي تفهم ما يدور في أية رقعة جغرافية عليك أن تُخضعها لقوانين لعبة الشطرنج، لتعرف ما ستتمخض عنه وتؤول إليه، وكيف ستجني الأحداث ثمارها وتُحصد نتائجها لصالح أي اللاعبين.
وما يصيب بعض المجتمعات من تداعيات يساهم فيه جهل التفكير الشطرنجي، وتولي أمر السلطة من قبل جهلة سذجة متمتعين بدرجات فائقة من الأمية السلوكية، والذين تتأجج فيهم الرغبات والنزعات الدونية، فيندفعون بانسعارية هائلة لتلبية نداءات ما فيهم من تطلعات حرمانية معتقة في أقبية البهتان. ولهذا تجدهم يبررون ويسوّغون ما يقومون به من المفاسد والجرائم والمظالم، ويمعنون بقهر الآخرين وتدمير وجودهم الذاتي والموضوعي، ويجدهم الطامع في المجتمع أهدافا سهلة وأدوات طيعة لتمرير غاياته وتحقيق مشاريعه بيسر وقدرة فائقة، لأن المصالح تلتقي، والآثم يحتاج لمن يسانده ويحميه لكي يمضي في مفاسده والخنوع لدوافعه ورغباته المفلوتة، فيكون متورطا ومرهونا بإرادة ذاته وغيره الذي صار يتحكم بمصيره.
ومن هنا فإن الفاسدين مرهونون بمفاسدهم ومستعبدون بحُماتهم، فيتحوّلون إلى دمى لا قدرة عندها سوى الخضوع للقوة التي تحركها عن بعد أو قرب، وهكذا تصاب المجتمعات بالخيبات والخسران، ويتم قيادتها إلى حتفها بإرادتها التي غيّبتها في رمال الارتهان. وعليه فإن المجتمعات التي تريد الحياة الحرة العزيزة المقتدرة، عليها أن تولي عقلاءها وحلماءها من الذين لا تتحكم بهم العاهات النفسية والسلوكية، ويتكلم تأريخهم عن مسيرتهم النزيهة الصادقة العاقلة، التي تستوعب المستجدات بتفهم واسع وتقدير شامل، وتتحسب لما ستتمخض عنه القرارات والتفاعلات المتوقعة.
وهكذا فلكي تنتصر المجتمعات يتطلب منها إعداد القادة المقتدرين على إدارة رقعة الشطرنج السياسية، ومن الذين يحبون اللعبة ويمارسون قوانينها في سلوكهم اليومي، فالسياسة لعبة تحقيق المصالح ومن يجهل لعبتها يبوء بالخسران المهين!!
فهل عندنا ساسة يا عرب؟!!
واقرأ أيضاً:
أين " الله أعلم"؟!! / هل أن الأمة في أرذل العمر؟!! / أقلام للإيجار!! / التناسي هو العدوان!! / الروادع والسلوك!! / إرادة الكراسي بوابة المآسي!!