الذين يعرفون يحرّفون، ويبدو أن الطبيعة البشرية وغوائر النفس تدفع بالبشر إلى استخدام ما يعرف للترويج لمصالحه ومنافعه وأهوائه وما فيه من المطمورات والعدوانيات. ومهما كان نوع المعرفة فإن العارفين يتخذون منهج التحريف للوصول إلى غاياتهم وأهدافهم وتطلعاتهم، ومن أهم المعارف التي تحقق فيها التحريف العظيم والبلاء الوخيم هي المعارف الدينية، فلا يخلو دين من سلوك التحريف والتوظيف لتغرير الناس واستعبادهم بالدين المحرّف الذي يأخذهم إلى ميادين سقر وهم في غفلتهم يعمهون.
الأديان بأسرها تمكّن العارفون بها من تحريفها وشق سبلهم وتوجهاتهم ورؤياهم فيها، فصارت مدارس ومذاهب ومجاميع وأحزاب وغيرها من المسميات، التي يجتهد فيها العارف بالدين بتحريف الدين وتطويعه لمصالحه ونوازعه المكبوتة فيه. ويبدو أن البشر بطبيعته يتبع التحريف ويميل إليه ميلا شديدا، وإلا لما وجد العارفون المحرّفون أسواقا لبضاعتهم وأجيالا تتبعهم وتدين بما يقولونه ويرونه.
قد يقول قائل أن الجهل له دوره الكبير وسطوته وفعاليته في هذا السلوك، لكن الجهل لوحده لا يكفي، وإنما يحتاج إلى ميول ودوافع واستعدادات سلوكية تتبنى أفكار وتأويلات وتحريفات العارف بالدين. والنظرة الفاحصة لما يحصل في المجتمعات أن العارفين بالدين هم الذين يتسببون بالمشاكل والأزمات، بما يقومون به من تحريفات وتضليلات يحسبونها دينا، حتى صار السلوك اليومي مناهضا لأبسط معايير ومعاني الدين الذي يعرفون، فهم يتفاعلون مع الناس وفقا لقانون، إعمل ما أقول لك ولا تعمل ما أعمل، فأنا ذو شأن خاص ودراية عالية، وما أنت إلا تابع ومنفذ لإرادتي وتصوراتي، وعليك أن تخنع وتؤمن وتمضي في طريقي القويم وحسب.
وهذه قضية ربما لم يتطرق إليها بعمق المفكرون العرب خصوصا، ولم يدرسوا دوافعها ونتائجها، وما ينجم عنها من التداعيات المريرة والصراعات الخطيرة ما بين أبناء المجتمع الواحد والدين الواحد، وما يترتب عليها من انشقاقات وانشطارات وتفاعلات دامية ومشينة في الواقع المأساوي المرير.
وما دام العارفون بالدين يمضون في تحريفاتهم وادعاءاتهم ورؤاهم المناهضة للدين، فإن الدين لن يدوم إلا على أنه دين، بمعنى أنه صورة شكلية لمحتويات انحرافية معادية لجوهر الدين، وهذا ما يحصل في الواقع الذي تعاني منه الأجيال وتتباطش فيه المخلوقات ولا تعرف صلاح السبيل.
فهل يرعوي العارفون بالدين، ويتوقفون عن مناهح التحريف والانحراف بالدين إلى ضد الدين؟!!
وإن الدين سلوك قويم وفكر رحيم!!
واقرأ أيضاً:
هل أن الأمة في أرذل العمر؟!! / أقلام للإيجار!! / التناسي هو العدوان!! / الروادع والسلوك!! / إرادة الكراسي بوابة المآسي!! / وداوي السياسة بالسياسة!!