التأريخ يُدرّس في المجتمعات المعاصرة للوصول إلى هدف عدم تكرار الأخطاء الماضية، لأن التأريخ مدرسة وبوصلة تنير سبيل خطوات الأجيال. ودراسة التأريخ تأتي بخلاصة حضارية نافعة وترسم المسارات بصوابية أعلى، لكي تمضي الأجيال أقوى وأكثر عافية.
هذا هو الهدف الأساسي من دراسة التأريخ والإطلاع عليه، لأن أحداثه يتم وعيها وتحليلها واستخلاص العبر والنظريات والقوانين منها. فالبشرية تعلمت عن طريق التجربة والخطأ، والحدث تجربة بكل أبعادها ومفرداتها، ولكل تجربة نتائج لابد من الوقوف عندها.
وهذا الواقع التفاعلي ما بين البشر المعاصر وماضيه، واضح وساطع، فلا تجد مجتمعا متقدما منغرسا بماضيه، أو مندحرا فيه، وإنما يستخلص منه الدروس ويتجاوزه إلى غدٍ أفضل وتجربة أكبر، وبهذا تتواصل وتتقدم الأجيال. وفي مجتمعاتنا، أصبح التأريخ طاعون وجودنا، وجرثومة انقراضنا، فنحن لا نستخلص الدروس والعبر منه، وإنما نعيد أحداثه ونكررها ونستثمر فيها.
وما يعصف في بعض مجتمعاتنا، أنها تريد أن تعيد الزمن إلى الوراء، وتحاول أن تلغي مسيرة حياة على مدى قرون عديدة، وتتوقف عند فترة زمنية ذات بضعة عقود وتمعن بالتعبير عنها بشراسة وعدوانية وانتقامية متوحشة!!
وهذا اضطراب سلوكي ونفسي وربما عقلي وخيم مُعَزز بتراكمات وهمية وانحرافات تصورية، وتضاف إليه كل يوم أهوال أضاليل وعواصف بهتان وأكاذيب حتى تحول الواقع إلى جحيم. والتأريخ إلى داء أليم، ووجع مقيم.
فكيف بربك يتحول الماضي إلى عدو لئيم للحاضر والمستقبل؟!
وما فائدة التأريخ عندما يجلب السقيم البهيم؟!!
واقرأ أيضاً:
أقلام للإيجار!! / التناسي هو العدوان!! / الروادع والسلوك!! / إرادة الكراسي بوابة المآسي!! / وداوي السياسة بالسياسة!! / المعرفة والتحريف!! / "الله أعلم" و"أنا أعلم"!!