الصدمة النفسية وتعب الرحمة بين المعالجين العرب1
إنها حقيقة معروفة أيضا بأن الأطباء والاختصاصيين النفسانيين يمتلكون ما يسمى بـ 'شخصية الإنقاذ rescue personality'. وتتميز هذه الشخصية بكونها انطوائية، تسعى للعمل والكمال من حيث الأداء، ليست اجتماعية كثيرا، وتميل إلى مجابهة المخاطر وكونها تجد من الصعب أن تقول لا لمن يطلب شيئا منهم، وعلى الرغم من شدة تكريس جهدهم ووقتهم لمساعدة الآخرين يمكنهم الإصابة بالملل بسرعة (Merlino, 2011, P36). شخصية الإنقاذ هذه بينت البحوث أنها أكثر عرضة وبشكل خاص لتعب الرحمة وللإصابة بهذا الاضطراب في نهاية المطاف. وهذه الحقيقة تجعل من الضروري بأن يقوم الشخص المتطوع في منطقة مصابة بكوارث أو صراعات تسبب الصدمات أن لا يتعامل بمفرده وأن يمارس الوعي الذاتي والرصد الدقيق لأفكاره ومشاعره و يفضل أن يكون ذلك من خلال الإشراف مع زملاء موثوق بهم لمتابعة تأثيرات معالجة الصدمة. وبالإضافة إلى ذلك وخلال المهمات الإنسانية يكون العامل في الصحة العقلية بحاجة إلى أن يكون على علم باحتياجاته الجسدية بما في ذلك النوم والراحة والطعام وتناول السوائل وكذلك تجنب استعمال الكحول أو المهدئات والتأكد من أن لديهم الدعم الاجتماعي والمهني المناسب والاتصال مع المشرفين والمديرين لالتماس المشورة عند الحاجة. تمارين الرياضة المنتظمة هي مهمة أيضا للحفاظ على اللياقة البدنية وتساعد على تحسين الحالة المزاجية أثناء المهمة الإنسانية (Rees, 2013, P427).
يمكننا تلخيص الأعراض الرئيسية لتعب الرحمة بما يلي (Gentry et al, 2002, p128):
1- تبلد العواطف blunting of emotion : أن يفرض الشخص على نفسه تجنب الأفكار أو المشاعر التي تذكره بالتجربة الصدمية للمرضى.
2- التجنب: تجنب بعض الأنشطة أو الموضوعات نظراً لأنها تذكره بالتجربة الصدمية للمرضى.
3- مشاكل الذاكرة: بحيث أن الشخص تكون لديه ثغرات في الذاكرة الخاصة به.
4- الانسحاب الاجتماعي والشعور بالعزلة عن الآخرين (حتى الأسرة) لشعوره بأن هؤلاء غير قادرين على فهم التجارب الصدمية للمرضى، وأنه لا يوجد أحد يمكنهم الحديث معه عن هذه التجارب وظروف العمل المجهدة نفسيا.
5- مشاكل النوم: في شكل صعوبة في الذهاب للنوم أو أن توقظه أفكار أو كوابيس مخيفة وأحلام مماثلة لتلك التي يحيكها له المرضى الذين تم فحصهم أو معالجتهم.
6- الانفعال ونوبات الغضب أو التهيج حتى بسبب انزعاج صغير مع "رد فعل الجفول" Startle Reaction مع أي تحفيز بسيط والشعور "على الحافة" في مختلف الأمور.
7- رجائع زمنية flashbacks متصلة بتجارب المرضى أو الصدمات والأفكار الاقتحامية بعد العمل مع حالات صدمات شديدة للغاية.
8- الأفكار والمخاوف بشأن الحاجة المهنية للعمل من خلال "التجارب الصدمية المؤلمة" للمرضى في سن الطفولة أو البلوغ.
9- الإحساس بالخطر والخوف من أشياء قالها أو قام بها المريض.
10- تذكر تجارب مخيفة فجأة وبصورة لا إرادية أثناء العمل مع المريض.
11- شكوك وقلق إزاء قدرته على ضمان سلامة المرضى والشعور بكونه محاصرا بمسؤوليات عمله.
12- شعور باليأس والقنوط مرتبط بالعمل مع المرضى، والشعور بخطر العمل مع المرضى في بعض الأوقات.
13- في كثير من الأحيان نجد الشعور بضعف أو تعب أو الإعياء ووضع اللوم لذلك على العمل في الصحة النفسية وعدم التمكن من فصل العمل عن الحياة الشخصية.
14- الشعور بالاكتئاب حول العمل والاختيار الوظيفي والقلق حول فعالية عملهم مع الشعور بانعدام القيمة/خيبة الأمل/الاستياء المرتبط بالعمل إلى درجة الشعور بأنه "فاشل" في عمله.
15- التساؤل والشك حول معنى وقيمة الحياة وحول القيم الروحية.
شخصية الإنقاذ التي تكون شائعة في العاملين في المهن الصحية هي الأكثر هشاشة بشكل خاص للإصابة بتعب الرحمة، وصولا في نهاية المطاف إلى الاضطراب الكربي التالي للصدمة (Figley, 1995, P70). هذا الواقع يجعل من الضروري أنه في منطقة الكوارث والصدمات يجب ألا يعمل المهنيون بمفردهم ولكن في فِرَق وأن يمارسوا الوعي الذاتي والرصد الدقيق لأفكارهم ولمشاعرهم ويفضل أن يكون ذلك من خلال الإشراف والمتابعة من قبل شخص له خبرة بمهمات إنسانية مشابهة في مثل هذه المناطق. وبالإضافة إلى ذلك هناك نوعان من الوعي النفسي التي وجدت البحوث أنها تقي وتفيد في حماية ضد الاضطرابات النفسية واضطرابات الصدمة، وهذه هي:
1. الذكاء العاطفي Emotional Intelligence : وهي قدرة الفرد على "اختبار وفهم والتواصل وإدارة مشاعره ومشاعر الآخرين" (Zautra, 2003, P100). ويشمل ذلك المهارات العاطفية الكبرى مثل الوعي الذاتي والإدارة الذاتية للمشاعر والوعي الاجتماعي والعلائقي (Merlino, 2011, P36). ولأن اضطرابات الصدمة يمكن أن تحدث أيضا نتيجة 'العدوى العاطفية' على شكل تعب الرحمة فإن هذا يعني أن 'الفرد المُراقِب يواجه ردود فعل عاطفية موازية لذلك الشخص المُراقَب الفعلية أو المتوقعة عاطفيا' (Figley, 2002, P2-3). هذا مهم بصورة خاصة للناس الذين يقومون بمهمات في مناطق الكوارث أو الصدمات النفسية. وقد أظهرت البحوث بأن الذكاء العاطفي يكون مفيدا في التنبؤ بكيفية استجابة الأفراد للتجارب الصدمية المؤلمة. وقد أظهرت الدراسات أن الأفراد الذين لديهم درجات ذكاء عاطفي أعلى أقل عرضة للإصابة بالأعراض النفسية بعد التجارب الصدمية (Hunt & Evans,2004) (Matthews, et al, 2002, P164).
2. الوعي المعرفي: أظهرت البحوث أيضا أن القدرة على التعافي من ضغوط حوادث الصدمة تكون متصلة بوجود الأفكار والإدراكات الإيجابية (Zautra, 2003, P89). لذا من المهم جداً للأشخاص المعرضين للصدمات أن يكونوا قادرين على إعادة صياغة الأفكار المرتبطة بالأوضاع الصدمية بصورة ايجابية. وفي التفكير بما حدث في هذه الحالة نحن بحاجة إلى أن نذكر أنفسنا بأية إيجابيات لا تزال سارية في الموقف. وفي التأمل والتركيز على المستقبل نحتاج أن نركز على الخطوات التي يمكنك التحكم فيها. ويجب أن نحاول وقف أية أفكار وسواسية حول الأحداث الصدمية المؤلمة، لأنها تؤدي إلى زيادة الهشاشة لتعب الصدمة (RSFDART, 2009, P80).
بعد المهمة الإنسانية في مناطق التعامل وعلاج الصدمات فإنه من المهم جداً للعاملين في مجال الصحة النفسية إعطاء أنفسهم الوقت والمساحة للتعافي من الصدمات. إنهم ينبغي أن يتتبعوا حدسهم على ما يريدون التحدث عنه أو لا يريدون فيما يتعلق بالتجارب الصدمية المباشرة أو غير المباشرة. ويجب التأكد من طلب المساعدة النفسية أو الطبية في الحالات التالية (Butler & Hope, 2007, p339):
1. إذا كنت تشعر بأن هناك أي احتمال أو خطر بأنك ستلحق الضرر بنفسك (أفكار إيذاء النفس أو الانتحار).
2. إذا كنت تشعر بالاكتئاب إلى درجة أنك غير قادر على ممارسة حياتك اليومية.
3. إذا كنت تعاني من فورات من الإحباط والغضب الذي يؤثر على علاقاتك مع الآخرين، أو يضع هذه العلاقات في خطر.
4. إذا استمرت أعراض الصدمة المذكورة أعلاه بدون تغيير لعدة أشهر.
إنها حقيقة معروفة بأن التدخل المبكر يمكن أن يساعد على الحد من الخطورة والإعاقة المرتبطة بمشاكل ما بعد الصدمة. علاج الخط الأول للاضطرابات ومشاكل الصدمة هو العلاج النفسي (أي العلاج بالكلام). ومع ذلك، ففي بعض الحالات قد تلزم الأدوية لمساعدة المهني على النوم بشكل أفضل أو لعلاج الاكتئاب أو القلق المرتبط بالمشكلة. وعلاوة على ذلك، فإن البحوث أثبتت بأن المعرفة والوعي بالصدمة وعواقبها تساعد في الوقاية من المشاكل بعد الصدمة.
المصادر والمراجع:
1- Figley, C. R. (1995) Compassion Fatigue as secondary stress disorder. In Figley, C. R. (Ed), Compassion Fatigue: coping with secondary traumatic stress disorder in those who treat the traumatised. New York: Routledge.
2- Gentry, J.E., Baranowsky, A.B., Dunning, K., (2002) ARP: The Accelerated Recovery Program (ARP)for Compassion fatigue. In Figley, C. R. (2002) Treating Compassion fatigue. New York: Brunner-Routledge. P128:
3- Figley, C. R. (2002) Treating Compassion fatigue. New York: Brunner-Routledge.
4- Figley, C. R. (2014) Charles Figely’s website on Compassion Fatigue: http://www.giftfromwithin.org/html/What-is-Compassion-Fatigue-Dr-Charles-Figley.html. Accessed on 04/09/2014.
5- WHO (1992) The ICD classification of mental and behavioural disorders: clinical descriptions and diagnostic guidelines. WHO, Geneva.
6- Abdel-Rahim FA, AbdelmoniumAB, Anwar M. (2009) Post-traumatic stress disorder in a school in Darfur, Western Sudan. Sudan Med J. 2009; 45(1):27-34.
7- Abdul-Hamid, W., Turky, J., Hacker Hughes, J. (2013) EMDR-Based Mental Health Services for the Arab World. Egyptian Journal of Psychiatry, 34 (3): 143-147.
8-Afana, Abdelhamid (2012) Problems in Applying Diagnostic Concepts of Trauma Reactions and Trauma in the Middle East. The Arab Journal of Psychiatry (2012) Vol. 23 supplement Page (28-34).
9- Brewin, C.R. (2003) Posttraumatic Stress Disorder: Malady or Myth? YaleUniversity Press, New Haven.
10- Figley, C. R. (1995) Compassion Fatigue as secondary stress disorder. In Figley, C. R. (Ed), Compassion Fatigue: coping with secondary traumatic stress disorder in those who treat the traumatised. New York: Routledge.
11- Figley, C. R. (2002) Treating Compassion fatigue. New York: Brunner-Routledge.
12- Havens, Justin (2013) A Qualitative Study Into The Experience Of EMDR Therapists Working With Uk Combat Veterans With PTSD. Gloucestershire:University of Gloucestershire.
13- Hunt N, Evans D. (2004) Predicting traumatic stress using emotional intelligence. Behavior Research and Therapy, 42(7):791-8.
14- Matthews, G., Zeidner, M., Roberts, R. D. (2002) Emotional Intelligence: Science and Myth. Cambridge, MA :The MIT Press. Cambridge, MA :The MIT Press.
15- Merlino, J.P. (2011) Rescuing ourselves, self-care in disaster response community. In Stoddard, F.J., Pandya, A., Katz, C.L. (Ed) Disaster Psychiatry. Washington, DC: American Psychiatric Publishing, Inc.
16-Myers, D. &Wee, D. (2002) Strategies for managing disaster mental health workers stress. In Figley, C. R. (ed) Treating Compassion fatigue P181-211. New York: Brunner-Routledge.
17- National Institute for Clinical Excellence (2005) Post-traumatic stress disorder, The management of Trauma Reactions in adults and children in primary and secondary care. London: Gaskell and the British Psychological Society.
18- Rees, G. (2013) The Trauma Factor, Reporting on Violence and Tragedy. In Fowler-Watt, Karen & Allen, Stuart (eds) Journalism: New Challenges. Bournemouth: Centre for Journalism and Communication Research.
19- Rsfdart (2009) Handbook for Journalists. www.dartcentre.org.
20- Zagrout, Mona (2013) HAP UK&Ireland Part 1 EMDR Training, Istanbul 28th November – 1st December 2013.
21- Zautra, Alex J. (2003) Emotions, Stress, and Health. Oxford: OxfordUniversity Press.
واقرأ أيضاً:
الاضطرابات النفسية بعد الصدمات / نماء ما بعد الرضح (الصدمة) / الجزيرة في الذكر والأنثى وآثار الصدمات / الحرمان العاطفي والصدمة النفسية