انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة نشر الفضائح لشخصيات عامة على جميع الأصعدة.... اجتماعي سياسي، فني، رياضي، سواء بهدف تصفية حسابات من أي نوع، أو بهدف ادعاء الغيرة على الفضائل أو الشرف أو الدين. وهذه الظاهرة إن نجمت عن شيء فهي تنم عن انحدار في أخلاقيات المجتمع، بل هي وسيلة متدنية لا تناسب أخلاقياتنا، والمفروض أنها غريبة عن مجتمعنا الشرقي الذي يحكمه التدين الكامن فيه بالفطرة.
نحن كبشر معرضين أن نخطئ بصرف النظر عن نوع تلك الخطيئة أو الخطايا،.. ولكن الكارثة الكبرى أن نصنع من أنفسنا حكاما وقضاة ونقوم بفضح من أخطأ ونشر عوراته عبر كل منفذ ممكن أن يصل للآخرين سواء عن طريق الوسائط الإلكترونية أو عن طريق الإعلام بكل وسائله المقروءة والمرئية.
وبرغم أن الدين يدعو لستر العورات وعدم كشف ما ستره الله لعباده، ولكن للأسف تفشت في مجتمعنا ظاهرة السكاكين التي تكثر حينما تقع البقرة كما يشير المثل المصري.. وكم من سكاكين وجهت في الفترة الأخيرة نحو أناس — أنأى بنفسي عن ذكر أسمائهم حتى لا أشارك في نشر تلك الظاهرة اللاآدمية — لا يهمني إذا كانوا أبرياء أم متهمين بالفعل بما نسب إليهم من جرائم أو فضائح.. فمن أنا أو غيري حتى ندينهم أو نغتب في سمعتهم وشرفهم.... ومن نحن لكي نسن السكاكين ونطعن بها سمعتهم أو أعراضهم.. ونقوم بذبحهم وسلخهم على الملأ! لماذا لا نترك سكين العدل يعدل والقانون يأخذ مجراه ويقول كلمته..
لماذا هذه الظاهرة البشعة التي تنم للأسف عن مجتمع انحدرت فيه كثير من قيمنا الاجتماعية والدينية الأصيلة !.. دائما وأبداً نردد ونفخر إننا مجتمع متدين بطبعه، نعم لنا الحق في الغيرة على فضائلنا وتقاليدنا الاجتماعية ولكن ليس أبدا من الفضائل أو التدين أن نغتب في سيرة الناس ونكشف العورات ونروج للفضائح، أين الستر التي حثت عليه الأديان السماوية، أين تقاليدنا الشرقية التي تربينا عليها وتوارثناها جيلا بعد جيل، أين ذهبت أخلاقنا وأين ذهب رقي مجتمعنا، إن أي مجتمع يقاس تدينه بمدى رقي سلوكيات أفراده ومدي إنسانيتهم، ولكن للأسف ما حدث في الأيام السابقة من نشر لفضائح علانية وترويج وتشهير لشخصيات - لا يعنيني ما مكانتهم أو مدى شهرتهم - لكن كل ما يعنيني هو أنهم بني آدمين يتاجر البعض بقصتهم إعلاميا ومجتمعيا ويتخذوا منها مادة رابحة تملأ صفحاتهم وقنواتهم التي لا تقوم إلا علي فضائح الغير والنبش في الأعراض، نعم قد يكون هناك خطأ أو خطيئة، ولكن من منكم بلا خطيئة… فكلنا خطاؤون وخير الخطائين التوابون، فما بالنا بالمعترفين! وعلى الملأ أيضا.. إلى أين ينجرف مجتمعنا وإلى أين تنحدر إنسانيتنا أكثر من ذلك.
كذلك ظاهرة شغف الناس بمشاهدة فيديوهات الفضائح تتزايد يوما بعد يوم بسبب انتشار الثقافات الغريبة عن مجتمعنا وسهولة تداولها حيث أصبحت في متناول أي شخص حتى لو كان تحت العمر القانوني وذلك من خلال ضغطه زر والذي يؤدي في النهاية إلى انفلات المجتمع وانهيار لضوابطه.
وأتساءل أين القانون من كل هذا.... هل هكذا نترك الأبواب مفتوحة أمام كل مجرم أو حاقد أو مضطرب نفسيا لكي يلهو بأعراض الناس ويقوم بنشرها علانية؟
هل لا يوجد تفعيل حقيقي لقوانين الجرائم الإلكترونية! وهل الحبل متروك على الغارب هكذا للإعلاميين لتعرية الناس والتشهير بهم، ويا ليتهم يلتزمون بالحقيقة ولكن لابد من التجويد وإضافة التوابل اللازمة للحصول على أعلى المشاهدات وأعلى سعر على حساب التشهير بالغير ودهس سمعته!
فبدلا من الانجراف وراء فيديوهات الفضائح والإعلام الذي يتسول مادته من نشر العورات والمتاجرة بالإنسان في سبيل جمع الأموال، يا ليتنا نتصدى لمثل هذه الظواهر الكارثية التي تسيء لآدميتنا أولا وتسيء لقيم مجتمعنا ككل وقبل هذا أو ذاك تسيء لفطرتنا المتدينة التي يفتخر بها المجتمع المصري.
واقرأ أيضًا:
الصمت المباح / كتم أنفاس / الليبرالية هي الإيمان الحقيقي / عندما تتشوه الأرواح / تأملات امرأة من داخل مستشفي الأمراض النفسية / في عيد ميلاد الثورة