العرب يتصرفون بأساليب مشينة ويقدمون أنفسهم للدنيا على أنهم لا يمتون بصلة للعصر، وفي زمن الإعلام الفوري والتواصل العولمي يقومون بأفعال تنفر الدنيا منهم أجمعين. فالذي أوصل حال العرب إلى ما هم عليه اليوم العرب أنفسهم، فمنذ أن سقطت الدولة العثمانية، بل ومنذ منتصف القرن التاسع عشر والعرب يتصرفون بعدوانية على ذاتهم وموضوعهم، وهم لا يشعرون أو في غفلتهم سادرين.
ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهر أو تم تأسيس ما يسمى بالجمعيات الممولة من القوى المناهضة للعرب، وبرز فيها ما نسميهم بالمفكرين والمتنورين الذين استحضروا أفكار الغرب بما يحقق مصالح الغرب، وراحوا يكتبون ويخطبون ويضللون حتى أوهمو العرب بأن عليهم أن يؤسسوا دولتهم القوية، ولا بد من الثورة التي تم إعدادها بأساليب خبيثة الذكاء وقادها الشريف علي بن الحسين في مكة، وبعد أن تأكدت هزيمة الدولة العثمانية، تم الانقضاض على قائد الثورة وأولاده وصاروا شذرا مذرا، وما بقي منهم إلا ما نراه في الأردن، وأصبحت الدولة العربية أقطارا وإمارات وممالك مرهونة بإرادة الذين صارت من حصتهم، ومضى الحال حتى اليوم، والذي يدّعي بأن الدول العربية ذات سيادة وحرية تقرير المصير إنما هو في غياهب الجهل والخداع.
فمعظم الدول العربية ومنذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم مصادرة الإرادة ومرهونة المصير، وكراسيها تنفذ الأوامر، وإن لم تفعل يتم صناعة المواقف والمطبات التي تنزلق فيها وترتهن، فلا قِبل لها إلا بالتنفيذ ولا يعنيها إلا أن تبقى بالكرسي إلى أجل مسمى، وبعدها يُطاح بها بتمثيلية أو مسرحية ليحل مكانها مَن ينفذ الصفحة الجديدة من مقتضيات المصالح والبرامج. ولا يزال الحال يُنسجُ على ذات المنوال وبالأساليب نفسها، فلا تتغير إلا الوجوه والمسميات والأجندات المعززة للاستعباد والارتهان.
وهذا يفسر ما وصل إليه العرب في كل مكان، ولولا هذا الواقع التفاعلي المرير لما أصاب العرب ما أصابهم، أي لو أن الكراسي العربية فيها قليل من الغيرة الوطنية والعزة والكرامة والإيمان بالشعب والهوية والقيمة الإنسانية والحضارية، لما آلت الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم. فكيف يمكن تفسير أمة من أغنى دول العالم وأثراها والجياع فيها يتكاثرون والمساكين يتوالدون، وأبناؤها يحلمون بالهجرة إلى بلدان الآخرين، وحكوماتها تجتهد بترويع الناس وتدمير البلاد، والانقضاض على حاضرهم ومستقبلهم، بأسلحة تشتريها بأموالهم فتقتلهم بها.
العرب أعداء أنفسهم والمجرمون الآثمون بحق بعضهم، والمشوهون لتأريخهم وهويتهم ومعالم وجودهم في كل مكان، فليمضي العرب في سلوك الانقراض والهوان، فالدنيا تعبت من سلوكياتهم المنحرفة المناهضة لأبسط المعاني والأخلاق، ومما يدمر العرب أن مآثمهم وخطاياهم مقنعة بدين لا يعرفونه وينكرون جوهره، ويجعلونه على هواهم وكما تصوره لهم أمارة السوء التي فيهم.
وبين فينة وأخرى يباغتون الدنيا بمخزية تزعزع الألباب وتفزع القلوب، فماذا ينتظرون بعد هذا المقام الأليم؟!!
واقرأ أيضاً:
انبثاق الأمة بإرادة قطز!! / هل يوجد عقل؟!! / لكم إسلامكم ولي إسلام!! / الفساد عتاد!! / تبطيل الأباطيل!! / التنوير العلمي!! / النفس والتصنيع!!