رئيس كوريا الشمالية أينما ذهب يتم الاحتفاء به واستقباله بطريقة غير مسبوقة، ويتجشم رئيس أقوى دولة عناء السفر لكي يلتقيه، والدولة المضيفة تعيش في حالة إنذار قصوى وتستدعي طاقاتها الاحتراسية، وتمضي في حالة طوارئ حتى يغادر الضيف الذي يبدو وكأنه سلطان الزمان والمكان، وهو لا يزال شابا لكن ثقله السياسي والمعنوي يثير الدهشة والاستغراب.
فكيف لشاب بهذه القدرات القيادية والتحاورية والتأثيرية في الواقع العالمي، وكيف له أن يجعل رئيس أقوى دولة في العالم والذي عمره ضعف عمره ويزيد، يأتي إليه ويرجو أن يكون صديقا له وأن يتفاعل معه بإيجابية وبما يخدم مصالح البلدين والعالم.
ما هي أبجديات تفاعل الرئيس الكوري الشمالي مع أقوى دولة في العالم؟
إنها لغة القوة!!
هذا الشاب لا يعرف إلا القوة طريقا للحياة والرقاء، ويدرك أن الأقوياء لا يمكن التعامل معهم إلا بمنطق القوة والاقتدار، فلكي تصل إلى حوار موضوعي ومتوازن مع الأقوياء عليك أن تكون قويا مثلهم، وتهدد مصالحهم وتمتلك أدوات القوة التي يمتلكون، وتصنع ما تريد ولا تعتمد على الآخرين فيما تريده وتحتاجه من أسباب القوة. فكوريا الشمالية تعتمد على نفسها في قوّتها وقوتِها، وما يشير إلى قدرتها على البناء والتطور والانطلاق المعاصر، أي أنها تعيش في عصرها وتفهم مفرداته المتفاعلة وآلياته التي تحرك اتجاهات الحياة فيه.
فالحصار لن يفت بعضد كوريا الشمالية بل زادها قوة وإصرارا على الإبداع والابتكار، والانتقال من حالة الضعف إلى ميادين القوة والتحدي الأكبر. بينما الحصار الذي تم فرضه على العراق قتل العراقيين، والحصار الذي يفرض على الإيرانيين أحدث اضطرابا وهلعا وتوترات داخلية، وهذه علامة فارقة بين المجتمعات الحية التي تعيش في عصرها والمجتمعات التي تعيش في أوهامها العقائدية دينية أو حزبية.
وفي تأريخ العرب لم يحصل تفاعل مَهيب مع قائد عربي إلا في حالتين هما الرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس الجزائري هواري بومدين، وبعدهما لم يظهر قائد عربي يتم استقباله والاحتفاء به مثلما يحصل لرئيس كوريا الشمالية، وهذا دليل على أن المجتمعات العربية لا يحسب لها حساب ولا تمتلك حضورا مؤثرا في الواقع العالمي، ولا يُنظر إليها إلا على أنها آبار نفظ وحسب بجميع أنظمتها ومجتمعاتها، وقد أضيفت صفة سيئة أخرى في هذا القرن، فأصبحت مجتمعات محذورة ومنكورة ويتوجس منها الآخرون.
ولن يتمكن العرب من استعادة عزتهم وكرامتهم ودورهم الحضاري والإنساني، إلا عندما تلد مجتمعاتهم قادة ذات تأثير عالمي وإنساني، ومهابة حضارية شامخة.
فالهيبة الحضارية المعاصرة عقل فاعل مبتكر وإرادة وطنية راسخة، فهل للعرب قدرة على الحياة العزيزة الباهية؟!!
واقرأ أيضاً:
لكم إسلامكم ولي إسلام!! / الفساد عتاد!! / تبطيل الأباطيل!! / التنوير العلمي!! / النفس والتصنيع!! / العرب ضد العرب!! / الزمن والكرسي!!