الدين قوة أخلاقية لتهذيب النفس الأمارة بالسوء، تلك الطاقة الفاعلة في الأعماق الخلقية ذات الدوافع السيئة، وتتصف بالأنانية والنزوع لمحق الآخر أيا كان، وهي منبع الشرور والمآسي التي تحتشد في دنيا البشر.
والأديان والمعتقدات والدعوات الإصلاحية انطلقت لمواجهتها والتحكم بسلوكها، لكنها لم تحقق النجاح الفائق، فأخفقت كثيرا وتمكنت منها النفس الأمارة بالسوء، لأنها سخرت منطلقاتها للتعبير عن إرادتها. فهي ذات طاقات عجيبة وآليات تفاعلية غريبة، يمكنها أن تخدع وتضلل وتُرغّب البشر بالإذعان لدوافعها، والعمل على تأكيد ما تريده وتحفل به من النوازع الكامنة فيها، فينطلق بلا دراية لإنجاز مشاريعها التي قد تكلفه حياته.
وقد تمكنت من الاحتيال على الأديان والالتفاف عليها، وحوّلتها إلى أدوات ومطايا للوصول إلى غاياتها وتحقيق أهدافها، فموجبها تمزقت الأديان والمعتقدات وتصارعت في داخلها، وصارت رايات النفس الأمارة بالسوء ترفرف في ديارها متظاهرة بأنها تمثل الدين، وهي تعادي الدين وتأتي بسلوكيات لتدميره وتزييف جوهر معانيه.
ووفقا لإرادتها لا يمكن لدين أن يبقى على حاله، ولا معتقد أو حزب أن يتواصل بلا تمزق وتشظي واحتراب داخلي، وبسببها نشأت المذاهب والفرق والجماعات المدعية بأنها هي التي تمثل الدين ولا غيرها يمثله، أي أنها تمتلك الحقيقة المطلقة وصاحبة الحظوة والتميز والاقتراب الأعظم من رب الأديان، وعندها تنتهي المعارف، وهي التي تدري وغيرها لا يدري، ومن لا يتوافق معها عليها أن تنقض عليه وتمحق وجوده.
فالنفس الأمارة بالسوء داينمو هائل القدرات السلبية المتفاعلة مع الذات والموضوع، والإتيان بما يساهم في ديمومة السلوكيات المدمرة، والقادرة على صناعة الويلات والتداعيات في الواقع الذي تتحرك فيه وتسعى إلى الإمساك بمصيره، وصياغة فحواه وفقا لمقتضيات ما فيها من المطمورات الدافعة نحو سلوك شديد.
وعندما نفتش عنها سنجدها في التفرعات والمسميات المتصلة بدين، فهي التي تتدرع بالدين لكي تسوّغ بشائعها ومآثمها الحمقاء، أي أنها تتقنع بالدين وتتخذ منه ستارا أو حجابا للقيام بما لا يخطر على بال من المآثم المريرة السارية في المجتمع الذي تتحقق فيه.
وربما أغفل المفكرون العرب دور هذه النفس في مسيرة الحياة العربية والدينية، وما أدت إليه من تصارعات وفرق وجماعات ودوافع تخريبية، تلبس لباس الدين وتدّعي بأنها تدافع عنه وتريد تأكيده، وما هي إلا تعبيرات عمّا تكنزه هذه النفس الفتاكة.
وقد ظهرت العديد من الحركات والجماعات والفرق وحتى اليوم ترفع رايات الدين، لكنها تترجم إرادة النفس الأمارة بالسوء في سلوكها وتفاعلاتها وممارساتها في الواقع، وآخرها وليس أخيرها ما جرى في الواقع العربي منذ بداية القرن الحادي والعشرين وحتى اليوم.
وستتواصل بأساليبها وآلياتها المخادعة المضللة المستثمرة بمعتقد ودين لتمرير نوازعها ورغباتها الكامنة، المتحفزة للانفلات الغابي والتفاعل التوحشي الافتراسي الطباع والتوجهات، وربما لن تتمكن البشرية من الانتصار عليها، فهي الطاقة المتنامية في الأعماق الجمعية، ويُخشى أن تطغى على سلوك البشرية.
فهل من إرادة عاقلة قادرة على ردعها ولجمها؟!!
واقرأ أيضاً:
أين العقل يا أمة يعقلون؟!! / الانحشارية!! / مواطنتنا مستقبلنا!! / مَن يتبع يقبع!! / الشعوب المنبطحة!! / الجريمة والسؤال!! / اليأساوية والمأساوية!!