العقل البشري كائن كوني غريب ويأتي بالعجب العجاب، فأبوابه مشرعة للأفكار المحلقة في فضاءات وجودنا الصاخب العنيف الانفجارات، والملتهب الأرجاء والشاسع المتسع الآفاق. وقد أخذَنا عقلنا عبر مراحل متعددة ومتنوعة بما ابتكره من القدرات، وما عبّر عنه من أفكار بأساليب مادية أو معنوية، حتى وجدتنا في عالم يزداد تعقيدا وتتزاحم فيه المخترعات المتفوقة على خيال اللحظة الإنسانية في أي مكان.
وتشترك جميع مخترعاتنا بأننا نسخرها للشر، برغم أن النسبة العظمى منها دفعت إليها نوازع الخير. فالعجيب في هذا البشر أنه يفتش عن آلة الشر وأدواته في كل ما هو قائم ومستجد من حوله، فما أن اخترع البارود حتى صار يستخدمه للقتل والدمار، وتعاظم اختراع آلات سفك الدماء، حتى جاءنا كلاشنكوف ببندقية القتل الأوتوماتيكية، التي وضعت الأسس لانطلاق مخترعات القتل الفتاك فوصلت إلى ما وصلت إليه اليوم.
وما أن اكتشفت مدام كوري العناصر المشعة حتى عملت العقول على تصنيع القنابل منها، وبعد بضعة عقود من ذلك الاكتشاف، ألقيت القنابل الذرية على هوروشيما ونكازاكي، ولربما ستلقى على مدن عديدة أخرى في هذا القرن الصاخب العنيف.
وحالما اخترع البشر آلته القاطعة السكين، حتى طورها إلى السيف الذي قتل به الملايين من الناس على مر العصور، ولا يزال يستخدمه لهذه المهمة الشنعاء، بل أن الآلات القاطعة الحادة صارت لها مصانع وأسواق واسعة، ولا تزال تجارة السلاح هي الأكثر ربحا من أية صناعة في العالم.
وكما نعرف ما أن اخترع الإخوان راية الطائرة حتى تحولت إلى وسيلة لإلقاء القنابل على المدن وقتل الأبرياء، وبقيت هي العنصر الفعال في الحروب والفتك بالأوطان.
واليوم نحن أمام مخترعات التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت، التي صارت مسخرة لأغراض سيئة، فيتم الاستثمار فيها لصناعة الويلات، ونشر الأفكار السلبية العدوانية والرؤى المريضة المضللة النكراء، بل أنها تحولت إلى وسائل رخيصة للتجسس على الناس ومتابعتهم وتوريطهم والانقضاض عليهم، فما نستخدمه لتواصلنا وتفاعلنا قد يستخدم ضدنا والنيل منا.
والسؤال الذي يُعجِز الباحثين عن إيجاد جواب مقنع له، هو لماذا هذا الميل الفتاك الفاعل في أعماق البشر؟
لماذا يغمض البشر عيونه عن الخير ويفتش عن مواطن الشرور الكامنة فيه؟
هل أنها إرادة الأرض التي تسخره لتدمير ذاته وموضوعه؟
هل أن غريزة الموت تتنامى في الأعماق كلما ازداد عدد البشر؟
هل أن الأرض لديها قانون تفرضه على مخلوقاتها ولا خيار عندهم إلا العمل به أجمعين؟!!
إنه لمن المستحيل أن تتوقف الحروب، وفي البشر نوازع تأخذه إلى سفك الدماء والتفاعل العنيف، وكأن ناعور البقاء لا يدور إلا بوقود الدماء وعواطف الويلات وحرارة الأحزان!!
واقرأ أيضاً:
مواطنتنا مستقبلنا!! / مَن يتبع يقبع!! / الشعوب المنبطحة!! / الجريمة والسؤال!! / اليأساوية والمأساوية!! / الدين والنفس الأمّارة بالسوء!! / ما أرخص أرواح الناس!!