البشر في الزمن الصاخب بآلياته الضاغطة والفاعلة في الأدمغة والنفوس تحول إلى عجينة يمكن صناعة أنواع المعجنات منها. فالدماغ البشري يأخذ شكل الوعاء الذي يوضع فيه, وبتنوع الأوعية وما تنتجه مصانع المعجنات الدماغية من قوالب, فإن البشر قد فقد ذاته الجوهرية, وتشكل وفقا للقوالب الموضوع فيها.
وتلعب دورها أنظمة الحكم والمؤسسات الدينية والإعلامية في صناعة الأوعية, التي تتشكل فيها أدمغة البشر, وتتحقق صياغتها تحت النيران الانفعالية والعاطفية المتأججة. وتساهم المواقف والأحداث ذات الطاقات العاطفية الحامية والتحديات الخطيرة في صياغة الأدمغة المطلوبة, التي تتخلق فيها دوائر عُصيبية مرغوبة, تتعزز بآليات التكرار الشديد, حتى تصبح الاستجابات الناجمة عنها ذات أوتوماتيكية عالية.
وعندما يبلغ التصنيع ذروته يتحول المجتمع المُصَنَع دماغيا إلى روبوتات تتحرك وفقا لإرادة المتحكمين بها والقابضين على مصيرها.
وهذه الحالة تكررت في التأريخ, وقد تعلم البشر مهارات تصنيعها وتسخيرها لتنفيذ مشاريعه وتطلعاته بأنواعها وغالبا ما تكون عدوانية وتدميرية.
فقد تحققت في زمن التتار والمغول, وفيما سبقها وأعقبها, وفي القرن العشرين في ألمانيا والاتحاد السوفيتي, ونجدها اليوم تتحقق بوبائية فائقة في المجتمعات العربية, التي تم توظيف الدين للوصول إلى صياغة البشر المطلوب والمستعد لتنفيذ المهمات, وكأنه مخدّر أو منوّم بالأوهام المحقونة في رأسه والمصادِرة لوعيه والطاغية على ذهنه.
ويبدو أن للمعتقد أيا كان دينيا أو غيره الدور الفعّال والخطير في تأهيل الأدمغة للتفاعل المطلوب مع المكان والزمان الذي يتحقق امتهانها فيه, ويأتي على رأسها المعتقد الديني الذي يمكن تحويره وتأويله وتحريره, لكي يكون متوافقا وما يعتمل في دنيا المدّعين بالمعتقد والذين يمثلون رمزه وسلطته.
ووفقا لذلك يمكن تفسير العديد من الحالات القائمة في المجتمع, ووعيها لأن ما يقوم به البشر منقطع عن إرادتهم, فتراهم يدخلون في مرحلة انقطاعية انذهالية وكأنهم يتحركون كالنيام, فينتخبون ممثلين لهم وفقا لإرادة المُبرمجين لأدمغتهم, وبعد أن يفوزوا بالمواقع, كأنهم يستيقظون ويأخذون بالهجوم عليهم, أو يتظاهرون من أجل هدف ولا يحققون شيئا بل يتساقط القتلى بينهم, ثم يعودون إلى حيث كانوا وهم بلا شعور بالظلم والهضم والقهر والإذلال, وقد صوت في مسامعهم معمم زعيم!!
تلك حقيقة سلوكية مروّعة تتسيد على أرجاء التفاعل الجمعي, فهل من إرادة حقيقية وعقل فاعل متنور مقدام صاحب جرأة وعزم أكيد؟!!
واقرأ أيضاً:
ما أرخص أرواح الناس!! / شرور الاختراعات!! / الصافع والمَصفوع وأمة الدموع!! / النفس أقوى من العقل!! / كراسي منتهية الصلاحية!! / قمة الشخير العربي!!