نهر البشرية الجاري تتفاعل فيه ثلاثة عناصر تقرر طبيعة تيار الجريان الدافق في وديان الأيام الحافلة بالعطاءات الحضارية منذ الأزل. هذه العناصر الثلاثة هي أجيال نائمة سيلفظها تيار الجريان، وأجيال قائمة تريد صناعة أمواج ذات توثب متزايد، وأجيال قادمة متحفزة للمشاركة في صناعة التيار.
وفي كل مجتمع هناك ما يتحقق طرده بقوة الجريان وإلقائه على الجرف، لتنهال عليه الأكلات المفترسات المنشغلات بتطهير التراب من آثار الخطوات. فالجيل النائم يمثل ماضيا والقائم حاضرا والقادم مستقبلا، والمجتمعات الحية تستثمر بالجيل القادم لأنه المستقبل، أما الحاضر فهو حالة متحركة وعليها أن تنتمي للجيل القادم، لكي يتعزز التفاعل الإبداعي الابتكاري الاختراعي التنويري القادر على صناعة الحياة.
وبعض المجتمعات لا تؤمن بما هو قائم وقادم وتندحر في النائم، مما يتسبب بتداعيات ومرارات وانكسارات حضارية مدمرة للذات والموضوع وماحقة للهوية.
فهذا السلوك الاندساسي بالنائمات في أحضان الغابرات تكمن فيه نزعة انتحارية مناهضة لجوهر وقيمة الحياة، وتعبير عن العدانية السافرة القاتلة للوجود الإنساني بمعانيه السامية وتطلعاته النبيلة الساعية نحو الفضيلة والرقاء.
فمجتمعات الأجيال النائمة انتحارية الطباع والتوجهات، وتنكر وجود الحياة، وتتصور حقيقتها وفحوى وجودها يتجسد في الموت، الذي سيمنحها فضاءات الخلود الجميلة الرائعة، التي تتوهم الإقامة فيها بنعيم ورخاء عميم.
أي أنها ذات تصورات منحرفة تناهض القائم والقادم، وبذلك فهي بلا حاضر ولا مستقبل، وتستعمل مفردات ماضيها للتفاعل السلبي الاستنزافي فيما بينها، مما يؤدي إلى استلطافها لسلوك التسول الحضاري والتبعية للآخرين، الذين يوهموها بأنهم سيوصلها إلى محطات ما تريد.
ومن هنا فالذين يصنعون مجد الحياة هم المستثمرون في القائم والقادم، والذين يصنعون تراجيديا الدمار والخراب يستثمرون بالنائم، وتلك معضلة تواجه البشرية، وتضعها في متاهات سقرية وتدفعها إلى هاويات التماحق والهلاك الشديد.
فهل من قادم مهيمن وقائم مُبيّن؟!!
وهل ستستيقظ المجتمعات النائمة؟!!
واقرأ أيضاً:
الصافع والمَصفوع وأمة الدموع!! / النفس أقوى من العقل!! / كراسي منتهية الصلاحية!! / قمة الشخير العربي!! / العجينة البشرية!! / الثورات العفوية لا تغيّر!!