الدنيا في القرن الحادي والعشرين تسودها إرادة كيف ولا تأبه كثيرا بلماذا، ذلك أن العقل البشري ارتقى إلى مدارات كيف المقرونة بفعل مضارع يدل على الحاضر والمستقبل، فيكون السؤال كيف أصنع كذا وكذا وكيف أبتكر كذا وكذا، لأن كيف ذات دلالات عملية وإنتاجية وتفاعلية مع المكان والزمان الذي تنطلق فيه.
أما لماذا فإنها تبحث عن جواب في معظم الأحيان نظري وينبش في الماضي الذي ما عاد له وجود مهم في الواقع المعاش. ومن الملاحظ أن لماذا تهيمن على المجتمعات المتأخرة وترميها في دوامات تصارعية ذات نتائج سلبية مدمرة لمعاني وجودها وقيمها وأخلاقها.
فالمجتمعات المتأخرة تبدد طاقاتها في عوالم لماذا، فتطلقها أمام التحديات، وتنغمس فيها وتتيه، ولا تعرف جوابا عمليا لحل مشاكلها، ولهذا فهي تُراكم مشكلاتها وتعضّلها، وتبعدها عن الحل. بينما المجتمعات المتقدمة تستثمر في كيف، لتواجه بها التحديات وتبتكر الوسائل الكفيلة بالرد المعاصر المقتدر، ولهذا تراها في تفاعلات متنوعة ومعطيات متجددة تداهم المشكلات وتضع الحلول النافعات. فالتأخر مقرون بلماذا والتقدم بكيف!!
ولكي تتقدم المجتمعات عليها أن تستثمر في إرادة كيف، ولا تغرق في متاهات لماذا، لأنها ستبعدها عن الواقع وتوفر لها تبريرات وتسويغات هروبية، تساهم في تثبيط عزيمتها، والتوهم بأنها أنجزت شيئا ما، كما هو الحال في واقعنا الذي تتسيد فيه أسئلة عبثية عنوانها لماذا تأخرنا، فتجد الطاقات مهدورة في نبش القبور والبحث عن رماد لذره في العيون.
ومن الملاحظ غياب كيف نتقدم، وكيف نكون، وكيف نبني، وكيف نصنع، وكيف نتحضر وكيف نعاصر، فهذه الأسئلة لا تخطر على بال، وإنما الانهماك في لماذا هو السلوك المهيمن على الوعي الجمعي في المجتمعات المبتلاة بالنوائب والنواكب المدلهمات.
ولهذا فالمجتمعات التي عليها أن تكون يجب أن تستثمر في آليات كيف، وتبتعد عن الارتهان بلماذا!!
فهل سنمتلك الجرأة على قول كيفَ؟!!
واقرأ أيضاً:
التظاهرات والتطورات!! / الجرأة والتغيير!! / عودة الروح يا أمة الروح!! / روح الأمة!! / الكراسي والثورات!! / الأمة متفائلة وأنتم اليائسون؟!!