من الملاحظ أن محطات التلفزة العربية بأنواعها وأعدادها التي تجاوزت المئات، وكذلك المواقع التواصلية وكافة وسائل الإعلام والصحافة تكاد تخلو من البرامح والمقالات العلمية، وهذه ظاهرة شاذة ومريبة وتطرح أسئلة.
فهل أنها مقصودة؟
وهل أنها مغفولة؟
وهل أن هذه المنابر الإعلامية تجارية بحتة وتسويقية لأجندات معينة وحسب؟
فعند تصفح وسائل إعلام الدنيا نجد فيها مساحة مهمة للمعارف العلمية، بمقالاتها وصورها وبرامجها، بل إن هناك محطات تلفزة متخصصة بنشر الثقافة العلمية، وبرامج علمية تخاطب الناس من أولى مراحل الطفولة. أما اليوم فإن التلفزة العربية ووسائل إعلامها محشوة بما يعطل العقل ويمنعه من التنور والتفاعل مع العصر بأساليب علمية، وما تجيده هو ترسيخ وتعزيز التلقينية والحفظ وعدم السؤال، مما يعني أن معظم وسائل الإعلام تهيمن عليها رؤى غير معاصرة، وتوجهات تحسب أنها صاحبة الدراية والمعرفة المطلقة وتريد أن تفرضها على الناس أجمعين.
فإذا كانت هذه الظاهرة مقصودة، فإنها تعني أن هناك قوى تسعى لتنويم الناس وتغييب وعيهم وتحويلهم إلى قطيع، وإيهامهم بأن العقل ممنوع من الصرف، أو أنه اسم مجهول تقديره أنا الذي أفعل بك كما أشاء، وما عليك إلا أن تذعن وتخنع وتستسلم، وتكون في ميادين القطيع حملا وديعا جاهزا للجزر السعيد الذي سيأخذك إلى ما نعدك به من النعيم.
وإذا كان مغفولا من غير قصد وإنما لعدم وعي أهميته، فلا بد من العمل المعاصر لإطلاق البرامج العلمية وتشجيع الكتابات العلمية في الصحف والمجلات والمواقع الإليكترونية، لأننا نعيش في عصر العلم فيه هو السلطان، فالمجتمعات لا تتقدم ولا تكون من غير التفكير العلمي والإيمان القاطع بقوة العلم وضرورته وقدرته على التوصل إلى ما هو أفضل وأقدر.
أما إذا كانت الهموم تجارية، ففي ذلك اعتداء على الإنسان وتحويله إلى بضاعة في مزادات المتاجرة بمصيره وما يمت بصلة إليه من متطلبات الحياة، فالبعض يرى أن البرامج الغير علمية تجذب مشاهدين وقراء أكثر، وبهذا حسب تصوره ستربح تجارته، لكنه على المدى البعيد سيخسر، لأن غياب العلم يعني تدهورا اقتصاديا حتميا في أي مجتمع.
والبعض يرى أن التوجهات الأصولية هي التي تحارب العلم ولا تريده، لأنها ربما تحرمه وتمنع العقل من العمل لأن في ذلك تهديد لإمبراطوريات الاستحواذ على الناس وتدجينهم لتحقيق مصالحها البهتانية، فتحكمهم بالخرافات والتصورات التضليلية التي سيقضي عليها العلم بالضربة القاضية، لأن العلم سيُفعل العقل ويدفعه للتساؤل والشك وعدم قبول الخرافة، وسيميل العقل بالعلم إلى السببية والجد والاجتهاد والإبداع، مما يعني أن الأصوليات بأنواعها ستنزوي ويصيبها الخواء والانتهاء الأكيد.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه الأمة، أن الإنسانية تعيش في عصر العلم والتنوير المعرفي والاكتشافات المدهشة، وهي تتنافس في سبر أغوار الكون العميق وتستحضر صورا وإدراكات مزعزعة للثوابت والمعتقدات، التي أخذ العلم يجتاحها ويلقي بها على قارعة طريق المسيرة الحضارية المتوثبة المتدفقة التيارات والمتجددة الأنهار.
فاستنهضوا العقل يا أبناء أمة يتفكرون ويعقلون ويتدبرون ويطلبون العلم ولو في الصين!!
واقرأ أيضاً:
الكراسي والثورات!! / الأمة متفائلة وأنتم اليائسون؟!! / مجتمعات لماذا وكيف!! / المعرفة بين الإنتاج والاستيراد!! / مرايا مسيرتنا خلفية وجانبية!! / الآن فهمت!!