من الملاحظ من "البزنز" وهي ظاهرة سلوكية عولمية تفرضها التطورات التكنولوجية الفائقة وتحتمها الإرادة الرأسمالية الفاعلة في الأرض. فكل سلوك مهما كان نوعه عبارة عن "بزنز"، فلا تقل سياسة وإنما قل "بزنز السياسة".
إنها اتفاقات وصفقات خفية وعلنية لتحقيق أهداف معلومة ومكتومة، وفاعلة في صناعة الأحداث والتطورات المحتدمة فوق التراب. وخلاصة دوافعها وجوهر نوازعها أن "الغاية تبرر الوسيلة"، مما يعني انتفاء الأخلاق والقيم والمعايير، ولا معنى إلا للأرباح المادية والصفقات، التي لا ترى سوى ما تحصل عليه من الأرباح بأنواعها.
وهذا سلوك مهيمن على البشرية، وقد بلغ ذروته في القرن الحادي والعشرين، الذي صارت فيه المشاريع البزنزية مؤثرة وفاعلة وفي ذروة قوتها، مما يعني أن الواقع البشري عبارة عن أسواق للعرض والطلب، وأن المصانع عليها أن تواصل إنتاجها، وعلى البشر أن يكون صاحب شراهة استهلاكية لا محدودة، لكي تتراكم الأرباح ويُستلب الوجود الإنساني من قيمه وأخلاقه ومعانيه السامية.
فالقيمة العليا للربح والكسب والفوز بالصفقات الكبيرة ذات المردودات المالية الهائلة، وليكن ما يكن، وليحترق مَن يحترق، ولتنمحق الأوطان ويندثر الإنسان، فالمهم أن تتوفر الآليات الكفيلة بتراكم الربحية العالية. ومن هنا فإن معظم الأحداث والتطورات مرهونة بمعايير الربح والخسارة والمشاريع المنظورة والغير منظورة، التي تتمخص عنها ربحية فائقة تساهم في استثمارات وتطورات تفاعلية متجددة.
وهكذا فإن مفهوم السياسة معناه التقليدي قد سقط تماما، وأصبحت الحالة بزنزية بحتة، وهذا ما يفسر ما يجري في الدنيا من تصارعات في القرن الحادي والعشرين.
فهل من وعي لمنطلقات العالم الجديد، الذي يحاول التمخض والخروج من رحم الحرب الباردة المنتهية، وبموجب نهايتها كتبت شهادات وفاة ما رافقها من حالات ومؤسسات وآليات؟!!
واقرأ أيضاً:
مجتمعات لماذا وكيف!! / المعرفة بين الإنتاج والاستيراد!! / مرايا مسيرتنا خلفية وجانبية!! / الآن فهمت!! / الثقافة العلمية المغيبة!!