هو حالة من الانفصال على المستوى الجسدي والنفسي والعقلي والروحي بين الزوجين على الرغم من كونهما يعيشان في بيت واحد ويمارسان واجباتهما الزوجية بشكل أو بآخر . وهو نوع من الطلاق ينقصه فقط الإعلان والتوثيق في الأوراق الرسمية، أو هو نوع من الزواج منتهي الصلاحية، أو هو علاقة زوجية ماتت وتنتظر استخراج شهادة الوفاة. وهو حالة من اللاسلم واللاحرب انطفأت فيها مشاعر المودة والرحمة وفقد كلا الزوجين أو أحدهما الإحساس بالآخر وكأنه لم يعد موجودا أو لم يعد يظهر على شاشة وعيه الوجداني على الرغم من وجوده الحسي حوله.
ويمر الطلاق العاطفي بالمراحل التالية بالترتيب :
1 – مرحلة الخلافات : وفيها تسود خلافات متكررة أو مستمرة بين الطرفين حول تفاصيل حياتهما أو علاقاتهما أو طريقة تربية الأبناء أو أي شيء آخر، ويفشل الزوجان في إيجاد أي مساحة مشتركة بينهما للتفاهم، أو الوصول لحد أدنى من الاتفاق. وهذه مرحلة صاخبة تشهد نزاعات ومشاجرات واستخدام عنف نفسي أو جسدي أو لفظي.
2 – مرحلة الألم : حيث يصبح أي تواصل أو احتكاك مؤلم والكلمات جارحة أو ناقدة أو مستهزئة، وتكون هناك محاولات للإيذاء المتبادل بشكل مباشر أو غير مباشر.
3 – مرحلة المرارة : وهي تراكم للألم وتراكم للجراح وتراكم للخبرات السلبية والذكريات السيئة تكاد تخنق أحد الشريكين أو كليهما .وتصف إحدى الزوجات هذه الحالة بقولها : كنت أشعر بالخوف والقلق عندما يضع زوجي المفتاح في الباب عائدا من عمله وحين أراه أشعر بدوار وغثيان وصداع وتقلصات في بطني وأشعر باختناق وكأنه "شفط" الهواء من الشقة، وإذا حدثت علاقة زوجية بيننا اضطرارا أشعر بأني مغتصبة وأقوم على الفور لأزيل آثار العلاقة في الحمام وأكره جسدي ونفسي لعدة أيام وتنتابني بعد العلاقة نوبة من البكاء، وأعاني آلاما جسدية خاصة في منطقة الحوض.
4 – مرحلة الرغبة في الانتقام : فتساور الطرف المقهور أو المظلوم رغبة عارمة في الانتقام، ومشاعر غضب وعدوانية تنتظر الفرصة للتحقق، وأمنيات أو تخيلات بأن يصيب الطرف الآخر أذى أو يمرض أو حتى يموت أو يختفي بأي شكل.
5 – مرحلة اليأس : حيث لا يبدو في الأفق أي بادرة أمل لانصلاح الأحوال لدى الطرفين أو على الأقل لدى الطرف المظلوم أو المقهور.
6 – مرحلة الإجهاد : وفيها يشعر الطرف المتضرر أنه لم يعد قادرا حتى على الشكوى أو التذمر، وأنه فقد القدرة على فعل أي شيء، وأنه فقط يحتاج لأن يرتاح في مكان هادئ بعيدا عن كل البشر، يريد حالة من السكون أو الصمت المطلق.
7 – مرحلة الاحتراق : وفيها تحترق كل المشاعر الإيجابية والسلبية بينهما، وبالتالي يفقد كل طرف إحساسه بالآخر تماما وكأنه لم يعد موجودا معه أو حوله، وأنه مجرد خيال يراه من وقت لآخر. هي حالة من الصمت الأبدي المطبق في التواصل سبقتها حالة موت في المشاعر.
وربما يعيش الزوجان على هذا الحال شهورا أو سنوات في حالة من الاضطرار الزواجي بسبب وجود أولاد أو بسبب ضرورات اجتماعية أو بسبب رفض فكرة الطلاق من المحيطين بهما. ونرى الزوج يقوم بواجبه في الإنفاق وتوفير احتياجات الأسرة ولكن في صمت، ونرى الزوجة تقوم بواجباتها المنزلية أيضا في صمت، ويظهر الشكل الاجتماعي أمام الناس وكأن هناك أسرة، ولكن في الحقيقة هذين الزوجين لا يتعاملان إلا في الحدود الدنيا على قدر ضرورة تسيير الحياة اليومية اللازمة للأبناء، فهما يتقابلان في البيت ولكن دون أن ينظر أحدهما في وجه الآخر، وقد يقفان في المطبخ ولكن دون أي تفاعل، أو يجلسان في غرفة المعيشة كل منهما يمارس عملا أو هواية في انفصال تام عن الآخر، وتغيب كلمات صباح الخير أو مساء الخير أو كل سنة وأنت طيبة، وإذا قيلت تقال بلا روح أو معنى، وقد تمر مناسبات اجتماعية أو أعياد دون أن يحدث أي تقارب بينهما، فكأن هناك شرخ حدث في العلاقة وهو يزداد يوما بعد يوم وتتباعد المسافات بينهما حتى لا يكاد يرى أحدهما الآخر أو يسمعه.
وفي بعض الحالات قد يتعامل الزوج أو الزوجة بكل لطف وأدب مع الطرف الآخر ويلبي احتياجاته ولكن دون أي مشاعر فهي علاقة واجب فقط منزوعة الروح والوجدان وكأنه يؤدي مهمة رسمية أو واجب اجتماعي. ومن العلامات المؤكدة للطلاق العاطفي نوم كل طرف في غرفة منفصلة وتوقف العلاقة الجنسية بين الطرفين لشهور أو سنوات دون مبادرة من أحدهما للتقارب مع الآخر.
وقد استعرضنا مراحل الطلاق العاطفي لأن التدخل الإصلاحي أو العلاجي قد لا ينجح في المراحل الأخيرة مهما صدقت النوايا حين يصل الزوجان لحالة اللاعودة، ولكن هذا التدخل قد ينجح في المراحل الأربعة الأولى قبل الوصول إلى مرحلة اليأس. والأمر يستدعي رصد تطور العلاقة بين الطرفين، وحين تتضح بوادر الطلاق العاطفي تكون هناك علامات للإنذار المبكر ويبادر أحد الزوجين أو كليهما باتخاذ خطوات وتدابير تمنع تراكم هذه المراحل من خلال المصارحة أو العتاب أو إعادة النظر أو الاعتذار أو إزالة التراكمات السلبية أو فتح مسارات جديدة لارتباطات شرطية إيجابية أو طلب المساعدة من أحد الأقارب أو الأصدقاء أو المتخصصين في الإرشاد أو العلاج الزواجي.
واستمرار حالة الطلاق العاطفي لفترة طويلة تجعل جو البيت مسمما ومشحونا بالعداء والكراهية والنبذ والتجاهل ويعطي صورة سلبية للحياة وللعلاقات تؤثر بشدة على الأبناء وربما تضرهم أكثر مما يضرهم الطلاق الفعلي للأبوين، وهنا تسقط ذريعة الاستمرار من أجل الأبناء.
وإذا لم تنجح كل المحاولات، وازدادت العلاقة سوءا يوما بعد يوم، فربما يتحول هذا الطلاق العاطفي إلى طلاق فعلي بإعلان موت العلاقة الزوجية رسميا.
واقرأ أيضًا:
الصمت الزوجي / السرير البارد/ الطلاق المتحضر (تسريح بإحسان) / أنماط الجنسية المثلية