طبيعة الخطابات ما يميز الدول المتقدمة عن المتأخرة، والفرق واضح بينهما، فالخطاب المتقدم يتناول موضوعات لها شأن اقتصادي ومتصل بهموم الناس وحاجاتهم الإنسانية، والمتأخر مشحون بالضبابية والعدوانية والانفعالية، ولا تجد فيه سوى حديث الكراسي والمآسي، والتصارع على المناصب والاستحواذ على الثروات.
وبإلقاء نظرة سريعة على خطابات ساساتنا وساستهم، تتضح الصورة وتتجلى الإرادات والنوايا وتتعرى الخفاقات والمستورات. الخطاب المتقدم من أولوياته الاقتصاد وحقن الدماء، والمتأخر يمعن بسفكها ولا يعنيه الاقتصاد، لأنه لا يهتم بالناس بقدر اهتمامه بتجارة المناصب والسلطات.
ومن الواضح أن طبيعة الخطاب السياسي تتناسب وواقع الأحوال في البلد، فكلما تنامت فيه المفردات الدالة على المعاني الاقتصادية والحاجات الأساسية، كلما تطور المجتمع واستتب الأمن والسلام، وكلما ازدادت وتكررت فيه مفردات العدوان والتهديد والوعيد، فإن المجتمع يكون في منتكس ويعيش تحت وطأة الأهوال والتداعيات والويلات والفساد والاقتتال.
ولا يوجد خطاب في دولنا يهمه الوضع الاقتصادي والمعيشي للإنسان، إلا الخطاب المصري في السنة الأخيرة، حيث بدأ منطوقه يتغير ويتحول إلى خطاب متقدم يسعى لتأمين الأفضل للناس، ويعمل جاهدا لتحقيق الأمن الغذائي والمعيشي للمواطنين. وهذه نقلة نوعية في الرؤية العربية التي لو تواصلت فإنها ستحقق تبدلا كبيرا في آلية التفكير العربي المعاصر، وتجعل الإنسان يدرك حقيقة مصالحه ومسؤولياته تجاه نفسه ومجتمعه والدنيا من حوله.
ويبدو أن مصر إذا نجحت في نهجها الجديد فإنها ستقدم للعرب نموذجا وقدوة لها قيمتها الحضارية وتأثيراتها النوعية على الحياة في حاضرها ومستقبلها، وستوقظ الأجيال من غفوة العدم وتستنهض قدراتهم الكامنة اللازمة للتفاعل المبدع. أي أن السلوك المصري ربما سينقل الأمة من حالة الركود والعجز وفقدان الثقة بالنفس، والشعور بالدونية والورائية والتبعية، إلى حالة الصيرورة الذاتية القادرة على توليد مفردات صناعة وجودها الأصيل الكفيل بضمان سيادتها وقوتها وتحفيز قدراتها على الإتيان بما هو نافع ومفيد وجديد.
فالأمة ما أحوجها لتغيير خطاباتها على جميع المستويات، واستخدام مفردات متفائلة متفاعلة مع عصرها، وذات طاقات اقتدارية كفيلة بالتوثب إلى حيث الأهداف والطموحات الإنسانية اللازمة لانبثاق ما فيها من أفكار وتطلعات ذات شأن إبداعي نوعي ومؤثر في انتقال الحياة إلى آفاق عوالم ذات معانٍ نبيلة سامية مكللة بالأخوة الإنسانية الصالحة لخلق الله أجمعين.
فهل سنستثمر في خطاباتنا ونتعلم مهارات إقران الكلمات بالأعمال؟!
واقرأ أيضاً:
العرب يدفعون ضريبة سقوط الاتحاد السوفيتي!! / أمة يعقلون والقتل بالدين!! / خدعة الأمية!! / هل أن الفقر من الإيمان؟!! / الهمجية البشرية!!