الأرض العربية موطن الرسالات السماوية، ومنها انطلقت الأديان إلى الدنيا كافة، فاليهودية والمسيحية والإسلام، انبثقت في الأرض العربية، وقبلها أديان لا تحصى ولا تعد ابتدأت فيها وانتشرت منها. فالعربي يعرف اليهودية والمسيحية والإسلام، وأي تصور أو اعتقاد غير ذلك، يساهم في تداعيات حضارية خطيرة وتفاعلات تدميرية صاخبة، وما هذه المشاعر السلبية المنغرسة في الوعي البشري إلا لأسباب تجارية ومصالح سياسية ومن آليات فرض النفوذ والسيطرة على الآخرين. فالمعابد والكنائس والجوامع بدأت وشيّدت في الأرض العربية قبل جميع بقاع الأرض، ولا يوجد أقدم مما في الأرض العربية.
فلماذا تسعى البشرية لمقاتلة جذورها، وعدم احترام تربة مقدساتها ومولد أنبيائها ورسلها؟!!
وفي واقع الأمر لا يمكن فصل الحياة العربية عن جميع الأديان لأنها توالدت فيها وتفاعلت معها الأجيال وتعلمت الكثير منها، لأن المجتمع العربي مدرسة صريحة تعلم طقوس وممارسات هذه الأديان.
وفيما يخص الديانات الثلاثة المعروفة بالسماوية، أن منبعها من بلاد الرافدين، حيث ذهب أبو الأنبياء إبراهيم مهاجرا منها غربا، بعد أن صارت النار بردا وسلاما عليه، وكانت معه زوجته سارة التي بلغت من العمر عتيا، والتي وافقت على أن تكون هاجرا زوجة لإبراهيم وأنجبت إسماعيل، وبعد ذلك جاء إبراهيم مَن توجس منهم خيفة وبشروه بإسحاق، فأنجبت سارة ابنها إسحاق، ومنه انطلقت ذرية الأنبياء حتى موسى وانتهاءَ بعيسى، ومن ذرية إسماعيل الذي سعت أمه هاجر ما بين الصفا والمروة تبحث عن ماء، حتى تفتقت عين زمزم. وكبر إسماعيل وأنجب، ومنه ابتدأت قبائل العرب، وأشاد أو رمم مع أبيه إبراهيم البيت العتيق، وصار مكانا يحج إليه الناس من كل فجٍ عميق.
ولا تزال هذه الأمية الدينية طاغية في المجتمعات الغربية بأسرها، وهي تتوهم أنها راعية المسيحية ووعاءها، وتتجاهل الوعاء العربي، وموطن المسيحية وجذورها، وتقلل من أهمية دورها في الحياة العربية، والثقافة العربية، وتنكرها، بل السائد أن لا توجد كنيسة أو معبد في البلاد العربية.
ومن الأرض العربية انتشرت المسيحية إلى أوربا ومن ثم أمريكا، ومع الأيام انغرس في وعي الأجيال الغربية أن المسيحية دينهم وحسب، وأنها لا علاقة لها بالعرب وأرضهم، مع أنهم كل عام يمارسون ذات الطقوس التي كانت تدور في ديار العرب، ويرتدون ملابسهم ويتمثلون ثقافاتهم وعاداتهم، وكأنهم يعيشون تناقضا غريبا، فحالما تقول لهم أن موطن المسيحية بلاد العرب وأرضهم، وأن الأديان كافة ولدت فوق ترابهم، يحملقون بوجهك مستنكرين، وهم يحسبون أن المسيحية من حكرهم، وأن العرب لا ناقة لهم ولا جمل بها.
وهذا التصور المُشاع يخلق حالة تناحرية وصيرورة تنافرية تستنزف طاقات الأجيال المتواكبة، ويساهم العرب في هذه الانحرافات المعرفية والسلوكية مما يؤدي إلى خسائر حضارية مروعة.
واقرأ أيضاً:
الإرادة الوطنية الصادقة لا تعرف المستحيل!! / التغيير والتدمير!! / حرب المائة عام بين المسلمين!! / وباء الأغاني!!