هذا العنوان يمثل طرحا متكررا للمفكرين العرب على مدى القرن العشرين ولا يزالون، وكأن الأجيال لم تُعمل عقلها في النص القرآني على مدى القرون، ولم تكتب مئات الكتب والموسوعات في التفسير والتأويل والقراءات للنصوص القرآنية. وكأن التراكم الهائل للكتب عبر العصور لا يشير إلى إعمال العقل في النص القرآني. فلا يوجد كتاب في تأريخ البشرية تم إعمال العقل فيه مثل القرآن.
وبسبب هذا الإعمال المتراكم تأسست العديد من الفرق والجماعات، التي مزقت الدين وحولته إلى طوائف ومذاهب ومدارس ومجاميع ولا تزال تتزايد وتتنامى، وصارت أحزابا ترفع رايات الدين، ولكل منها ما يراه في النص القرآني من تأويلات وتصورات وغير ذلك. فما فائدة الدعوة لإعمال العقل في النص القرآني، وبماذا سيأتي، وهل سينفع المسلمين؟
فمهما توهمنا بأن السبب الأساسي لتأخر العرب والمسلمين هو عدم تفعيل العقل في قراءة النص القرآني فإننا لن نأتي بجديد، وحتى لو أوّلنا وفسرنا وشرحنا النص إلى أقصاه وفقا لمعطيات العصر العلمية والمعرفية. ذلك أن الدين يسير وهذه القراءات تعسّره وتعقده وتخرجه من دائرة التفاعل البشري العام إلى مستويات النخبة والتفاعلات الفلسفية، التي ستنجب موضوعات غيبية لا نفع منها مهما حاولت واستحضرت، فالغيب علمه عند الخالق، والمخلوق محدود المدارك والقدرات الحسية والمعرفية، ولا يمكنه أن يعرف أو يدرك خارج حدود قابلياته العقلية والحسية.
فلماذا هذا التوجه الحامي نحو تعقيد الدين وتصعيبه وتحويله إلى طلاسم ومبهمات، وعلينا أن نبحث في خفايا النص؟ إن هذه التوجهات تبدو وكأنها تتسبب بتوترات وتداعيات واختناقات لا حاجة للأمة لها، فالنص هو النص، والتأويل لا يمكنه أن يكون مشتركا أو جامعا، لأن العقول لا تتطابق وهي مختلفة كاختلاف بصمات الأصابع بين البشر.
وعليه فإن القرآن كتاب منزل إلى رسول عربي بلسان عربي ولم يفسره النبي الذي تنزل عليه ولم يؤوله، وإنما بلغه إلى العالمين بلسان عربي مبين. ولنقرأ القرآن ونستوعبه كل على قدر استطاعته وجهده، ولا داعي لهذه التوجهات المعقدة التي لا تنفع بقدر ما تضر وتصرع؟
ولنبعد الفلسفة عن النص، فالبشر ليسوا بفلاسفة، وإنما النسبة العظمى هم من البسطاء الذين يريدون السهل اليسير للتعبير عن إيمانهم وانتمائهم للدين، ومن الواضح أن أكثر البشر يؤمن بقلبه ولا يُعمل عقله فيما يؤمن به، وتلك طبيعته، فلماذا نريد زعزعة إيمان القلب بفلسفات العقل، التي لا يوجد لها مرسى أو ميناء نجاة وحضور؟
ولماذا لا يكون الحث على إعمال العقول في العلوم والتكنولوجيا بدلا من التركيز على النصوص القرآنية، التي لا تحتاج إلى التعقيد وإنما للتبسيط، وشرح معاني الكلمات، وتقديمها بلغة سهلة يسيرة على الفهم والإدراك؟!! فالقرآن للناس كافة، وعلينا أن نيسر فهمه لا أن نعقده، ونجعله من المستحيلات التي ستؤدي إلى العدول عن الكتاب والكفر بالدين!!
فهل من يقظة يا أمة إقرأ؟!!
واقرأ أيضاً:
الإرادة الوطنية الصادقة لا تعرف المستحيل!! / التغيير والتدمير!! / حرب المائة عام بين المسلمين!! / وباء الأغاني!! / أرضنا والأديان!!