سألني أحد الأخوة الإسبان قائلا: أنا في حيرة من أمركم، ما هي علتكم؟... فأنتم فخرنا ومجدنا وتاريخنا المشرق، كنتم في أسبانيا لثمانية قرون، قدمتم فيها أرقى العلوم والآداب والثقافات والإبداعات العمرانية والجمالية، وأخرجتم أوروبا من ظلمات عصورها إلى مسارح الأنوار الساطعة. وأضاف: لا أعرف ماذا جرى لكم فأصبحتم بهذه الحالة السيئة؟
صدعني كلامه وأدهشني حماسه وانفعاله وما عرفت الجواب إلا أن أقول بحزن : لا أدري!!
فما وددت الخوض في مأساة العرب، وما هم عليه من تفاعلات لا تتفق وأبسط بديهيات المصالح وعوامل البقاء والتواصل، وظننته يعرف الكثير لأنه من المهتمين بشئون العرب، وكان يريد مني جوابا ربما ينفعه في توضيح الحال وفهم المآل.
لكنني لم أجد بعد إلحاح منه إلا كلمة واحدة فقلت له : الجهل!!
فتسمر بوجهي وقال: الجهل بماذا؟
فقلت: الجهل بكل شيء!!
قال: هذا غير ممكن!!
فقلت: وما يحصل في بلاد العرب يقع في خانة "غير ممكن"!!
ومضى قائلا: إن ما يجري في بلادكم لا يمكن تصديقه، عندما نرى نحن الأسبان تأريخ العرب في بلادنا، يصعب علينا استيعاب أحوالكم الحاضرة.
فالعرب عندنا تعني كل شيء حضاري رائع، وما استطعنا أن نمحو دورهم وتأثيرهم في حضارتنا وثقافتنا إلى اليوم، لأن ما قدموه لنا يدعو للاعتزاز والفخر والتباهي.
وبين محنتي العربية وحيرة الأخ الأسباني، وجدتني أجيل النظر والتأمل في غرناطة وقرطبة والجامع الكبير وقصر الحمراء وأشبيلية وملقة وتوليدو ولشبونة، والجوامع والمآذن والقصور والمعالم العربية الإسلامية المتدفقة بالأفكار الإبداعية الخلاقة.
ووجدتني أدخل بيتا صغيرا قد تحول إلى متحف فقرأت على جدرانه في باحته العربية:
"إذا كان أصلي من تراب فكلها بلادي وكل العالمين أقاربي"
ورحت أخطو متثاقلا في أزقة الأندلس وفي صدري عبق الحضارة والثقافة العربية المنيرة، رغم محاولات طمسها، لكنها لروعتها وقوتها وأصالتها بقيت عصية على الغياب والاندثار والضياع.
وأدركت محبة الأسبان وتقييمهم لتاريخهم العربي الإسلامي المشرق رغم الذي حصل وما يقال.
فالقوة الصادقة الغنية بمعاني الفضيلة والجمال لا يمكن إزالتها ومحقها أبدا،
ولهذا بقي التاريخ العربي الإسلامي منيرا في بلاد الأندلس وسيبقى إلى ما شاء الله.
وعندما عدت إلى سؤال الأخ الأسباني أراجعه، وأبحث عن جواب له، تذكرت أني سألت أحد المفكرين العراقيين المهتمين بشأن العرب، وقد كتب العديد من المقالات والكتب بهذا الخصوص. تذكرت أنني سألته أن يختصر أسباب الواقع العربي المتداعي بسبب أساسي واحد.
فقال فورا: "الجهل بالدين".
فهل سنعرف ديننا لكي نتحقق ونكون.
وكل حديث ذو شجون.
وأرجو من القارئ أن يدرك المخزون!!
سماءٌ من مساوئنا استضامت
فأشقتْ كوكبا فيهِ اسْتضاءت
وأغوت كل شيطانٍ رجيمٍ
يخادعها بآثمةٍ تسامت
شعوبٌ في جهالتها تهاوت
تفاقم شرها وبه اسْتجارت!!
واقرأ أيضاً:
الإرادة الوطنية الصادقة لا تعرف المستحيل!! / التغيير والتدمير!! / حرب المائة عام بين المسلمين!! / وباء الأغاني!! / أرضنا والأديان!! / إعمال العقل في النص القرآني!!