مبعث هذه المقالة توارد عدد من المقالات المكتوبة بأقلام مأجورة أو معادية للتأريخ العربي، وهي تسعى للتقليل من قيمة وأهمية الإسهامات العلمية والثقافية للعلماء الذين حملوا مشعل الحضارة العربية، وذلك بتكفيرهم وتحريم النظر إلى علومهم وكتبهم، وهي تستند على قال فلان وذكر علان، وكأن فلان وعلان هما الأوصياء على البشرية والدين، وما هم إلا كغيرهم من الذين حاولوا أن يتعلموا الدين وعلوم الفقه، لكن بعضهم ذاع صيته وصار ما يقوله فصل المقال، وهذا خطأ درجت عليه المجتمعات العربية والمسلمة، مما أضعف قدراتها المعرفية وعطل عقولها وإرادة البحث فيها.
فمن أنتَ لتكفر غيرك؟ وما هو علمك ومعارفك لكي تقضي بتكفير غيرك؟ ما هي مسوغاتك وحججك وأدلتك التي تعتمد عليها في هذا السلوك المخاصم لذاتك وموضوعك؟
لو نظرنا للذين يكفرون غيرهم لتبين أنهم يؤمنون بأن العقل البشري قاصر ونسبي، فلا يمكنه أن يحيط بما هو مطلق حسب تصورهم، لكنهم في ذات الوقت يمنحون عقولهم صفة الطلاقية ويجيزون لأنفسهم تكفير الآخرين، وتنزيه أنفسهم من الكفر، وما يقومون به هو الكفر بعينه.
وهو حرفيون أي يتمسكون بحرفية النص الديني وفقا لقولهم بنسبية العقل وعجزه عن إدراك ما هو مطلق، أو ما هو كلام الله وعليه أن يتقبله كما هو ولا يضعه تحت منظار العقل ولا يجوز له التأويل، بمعنى أن النص بما ظهر فيه وليس بما بطن فيه، وبهذا يحرمون أي قول عقلي تجاه النص الديني.
والعجيب في أمرهم أنهم يغفلون أو يتجاهلون سورة واضحة في القرآن هي سورة الكافرون والتي بنصها الحرفي تقول "يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما تعبدون، لكم دينكم ولي دين" هذه سورة صريحة بنصها الدامغ، ولا تحتاج إلى تأويل أو تفسير، وهي سورة مكية وقائلة بوجود الكفر والموقف منه، وخلاصته "لكم دينكم ولي دين". فلماذا لم يقل ديني هو الدين وعلي أن أمحقكم لأنكم كفرة؟
سيؤولون ويقولون أنها سورة مكية في وقت ضعف الدين وكانت كذلك، فهذا تأويل، وإن قبلتم تأويل هذه السورة فعليكم أن تقبلوا أي تأويل للسور والآيات الأخرى، أما القول بالتمسك بالنص القرآني بحرفيته، فهذه سورة بحرفية ساطعة ودامغة، فلماذا يتحقق الالتفاف عليها وإغفالها وكأنها غير موجودة في القرآن؟
لنفترض أنت صاحب الحق بتكفير غيرك أو ترى أنه كافرا لأنه لا يتبع دينك، ماذا تفعل تجاهه، إنه موقف واضح مسطور في القرآن ينص على سلوك "لكم دينكم ولي دين"، ولا نريد أن نأتي بآيات أخرى تنص على ما لا يجوز للبشر أن يكفر أخاه البشر، وأن الله يحكم بين الناس فيما كانوا به يؤمنون.
فلماذا لا تدعون البشر ودينه؟
ولماذا لا تعملون بجوهر دينكم وتعبرون عن إنسانية الدين ورحمته بدلا من إلصاق العدوانية وسفك الدماء به؟!!
فهل أنتم تدينون بدين أم تتاجرون بدين؟!!
واقرأ أيضاً:
التغيير والتدمير!! / حرب المائة عام بين المسلمين!! / وباء الأغاني!! / أرضنا والأديان!! / إعمال العقل في النص القرآني!! / أخٌ من الإسبان بنا حيران!!