مجتمعات الدنيا تتعلم وتزداد خبرة وتستجمع طاقاتها وقدراتها فتتقدم، ومجتمعاتنا تتعمم فتنكمش وتتهدم، وتندحر في أقبية الغابرات، وتمعن بالضلال والبهتان والتبعية والخنوع والهوان. فلماذا لا تتعلم مجتمعاتنا؟
من الواضح أن سيادة الأصوليات بأنواعها تسبب ومنذ زمن بعيد في تعطيل العقل ومنعه من الاستعمال والتوظيف، بل أن موضوع تفعيل العقل أصبح من الممنوعات والمحرمات، والبعض يحسبه كفرا ويرجم أصحاب العقل بالإجرام وبالزندقة والخروج عن سكة السمع والطاعة، والإذعان لإرادة الكرسي المنان.
وفي العقود القليلة الماضية تغيرت أحوال وتبدلت موازين قوى وانهارت آليات حكم وأنجبت دولا منبثقة عنها، وتلك الدول بمجتمعاتها المختلفة تعلمت وتنبهت وعملت للحفاظ على دولها وقدراتها في التفاعل المعاصر والتقدم والبناء، فما اندحرت في ذاتها وموضوعها، ولا انتكست وتشرذمت وتمزقت، وإنما تمسكت بوحدتها الوطنية وقيمها الإنسانية، وتفاعلت بما يحقق الصالح المشترك، ويعلي قيمة الوطن والإنسان الفاعل فيه. ولهذا فإنها لم تخسر بل استجمعت ما فيها من الخبرات، وأوجدت النظام اللائق بها والمحافظ على مصالحها وبنائها الوطني، فخرجت من مواجهة التحديات بقدرات إضافية وخبرات نافعة للمجتمع.
ومنها دول أوربا الشرقية التي لم يحصل فيها مثلما حصل في مجتمعاتنا التي تهاوت فيها الأنظمة الاستبدادية، فكل دولة استحضرت فضائلها السلوكية ومرتكزاتها الوطنية وفعلت ما هو إيجابي وصالح للجميع، فانتصرت على أزماتها وتحقق وجودها المستقر، فأنشأت أنظمة ديمقراطية معاصرة وذات إنجازات رائعة. تلك الدول لم تعرف الديمقراطية من قبل، لكنها تعلمت وتمسكت بثوابتها الوطنية وقيمها الإنسانية، فما تنازلت عن أخلاقها ونبذت جوهر خلقها، فترعرعت القوة فيها واستعادت شبابها ودورها الحضاري والإنساني.
أما في مجتمعاتنا فالانتكاس الحضاري مهيمن على الوعي الجمعي، والخضوع للمتاجرين بالدين هو السائد العميم، والاندحار في ما مضى وما انقضى يتحكم بآليات السلوك الفاعل في الواقع، مما دفعه إلى انهيارات ذات تداعيات مأساوية، تعززها برامج التغفيل والتجهيل والتضليل والإلهاء بما يضر ولا ينفع.
وفد لعبت الأحزاب التي تسمي نفسها دينية دورها التآمري على الوطن والمجتمع وبوقاحة غير مسبوقة، حتى صار الفساد دينها والخيانة مذهبها والتبعية صراطها المستقيم.
ولهذا فإن المجتمعات تتهدم والأصوليات فيها تتنعم، والفقر يسود والحرمان يقود، وكل من عليها فان، وتبقى ذات الجاه والغنائم والسلطان!!
واقرأ أيضاً:
خطيئة العلماء العرب!! / الهبوط على المريخ وعد انتخابي يا عرب!! / الأهداف الزئبقية ومجتمعاتنا الوهمية!! / الأنا الوطنية!! / الانتحار والعولمة!!